أرسل، روبرت ميننديز، عضو مجلس الشيوخ عن ولاية نيو جيرسي، والسيناتور الديموقراطي البارز في لجنة العلاقات الخارجية، رسالة إلى وزير الخارجية مايك بومبيو، محذراً من أن الولايات المتحدة، “قد تكون ملزمة بموجب القانون، إنهاء مبيعات الأسلحة إلى دولة الإمارات العربية المتحدة”. أظهرت تلك الخطوة التي أقدم عليها ميننديز أن الوقت حان لتبدأ واشنطن إجراء إصلاحات جذرية وشاملة في علاقتها مع أبو ظبي.
آ
جاء سؤال ميننديز في أعقاب ما كشفت عنه بعض الصحف في الفترة الأخيرة، أن الصواريخ الأميركية المضادة للدبابات ذات التقنية العالية التي بيعت للإمارات، انتهى بها الأمر في أيدي قوات المتمردين الليبية التي تقاتل للإطاحة بالحكومة المدعومة من الولايات المتحدة في طرابلس. وقد اتهمت تلك الحكومة نفسها الإمارات باستخدام طائرة نفاثة أميركية الصنع، لقصف مركز للمهاجرين في ليبيا، ما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 53 شخصاً. فضلاً عن أن وزارة الدفاع الأميركية أعلنت عام 2014 أن الإمارات قصفت ليبيا سراً، ما أثار امتعاض المسؤولين الأميركيين ودهشتهم.
في الوقت الراهن، تواجه الإمارات اتهامات بتزويد الميليشيات المرتبطة بتنظيم القاعدة فيآآ اليمنآآ بأسلحة أميركية الصنع، وبدعم العصبة العسكرية الحاكمة في السودان التي قمعت بوحشية القوى المؤيدة للديموقراطية. يشير كل ذلك إلى أن أبوظبي حليف لا يمكن الاعتماد عليه أو الوثوق فيه كثيراً. ومع ذلك، نجت الإمارات عموماً من التدقيق الذي فُرض أخيراً على المملكة العربية السعودية، بسبب أعمال شنيعة مماثلة. ويجب أن يتغير هذا الأمر.
شهدت الأشهر الأخيرة تزايد الصخب بين منتقدي السعودية في الكونغرس، بسبب الحرب الكارثية التي تقودها في اليمن، إضافة إلى القتل العمد للصحافي السعوديآآ جمال خاشقجي، كاتب عمود في صحيفة “واشنطن بوست”. ومع ذلك، فإن الدور الأساسي الذي تضطلع به الإمارات في اليمن وغيرها من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، لم يحظَ باهتمام واسع إلى حد كبير.
قدمت مجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ من الحزبين الجمهوري والديموقراطي في مطلع هذا الشهر، تشريعاً للتصدي لمحاولة إدارة ترامب اختزال رقابة الكونغرس على 22 صفقة لنقل الأسلحة، عبر زعم مشكوك في صدقيته، بأنها “طارئة”. وأطلق على مشروع القانون “قانون الطوارئ المزيف للسعودية”، ولا يشير إلى الإمارات بأي شكل من الأشكال، مع أن الإمارات تشارك في 13 صفقة من مبيعات الأسلحة الـ22 للسعودية. وتشمل هذه الأسلحة المزيد من الصواريخ المضادة للدبابات التي تم تحويلها إلى المتمردين الليبيين، إلى جانب مروحيات أباتشي وبنادق نصف آلية.
آآ
أصدر مجلس الشيوخ قرارات تمنع عمليات نقل الأسلحة هذه في 20 حزيران/ يونيو، ومن المرجح أن يتخذ مجلس النواب إجراءات مماثلة. وقد أشار الرئيس ترامب، الذي يعتبر من أشد المؤيدين لمبيعات الأسلحة للأنظمة المتسلطة، إلى أنه سيستخدم حق النقض ضد مشاريع تلك القوانين.
صرح ترامب بذلك على رغم أن التحالف السعودي – الإماراتي قد أسقط قنابل أميركية الصنع على المدنيين في اليمن -في انتهاك صريح للقانون الدولي- وعلى رغم حصول جماعة مرتبطة بتنظيم القاعدة في اليمن تحظى بدعم الإمارات على المركبات المدرعة أميركية الصنع. وقال الرئيس ذلك أيضاً على رغم الادعاءات الموثوقة بأن السلطات الإماراتية تدير سجوناً سرية وأماكن مخصصة للتعذيب في اليمن.
تشير التقارير الأخيرة إلى أن قادة دولة الإمارات يحاولون إخراج أنفسهم من اليمن، في حين أعلنت حكومة أبو ظبي، أنها تعتزم سحب قواتها من هناك. إذ يدرك الإماراتيون أن الكارثة الإنسانية وانتهاكات حقوق الإنسان التي خلقوها تسبب أضراراً بالغة للعلاقات العامة. ومع ذلك، يتعين أيضاً على الإمارات أن تركز اهتمامها على الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في الداخل والخارج على حد سواء.
كما هي الحال في المملكة العربية السعودية، تعج السجون الإماراتية بعشرات الناشطين السلميين الذين تعرضوا للتعذيب وحُكم عليهمآآ بعد محاكمات صوريّة. علاوة على ذلك، غالباً ما تعمل الحكومتان بالتنسيق مع بعضهما. ففي العام الماضي، ألقت السلطات الإماراتية القبض على الناشطة في حقوق المرأة لجين الهذلول قبل تسليمها إلى السعودية. وما زالت مسجونة، وتتعرض للتعذيب هناك بسبب نشاطها الحقوقي.
آآ
ويُعد سَجن أحمد منصور مثالاً على ما يتعرض له المواطنون الإماراتيون في حال تجرأوا على انتقاد الحكومة، مهما كان النقد سلمياً. ويقضي منصور، المتخرج من جامعة كولورادو والحائز جائزة “مارتن إينالز” المرموقة للمدافعين عن حقوق الإنسان عام 2015، حكماً بالسجن بسبب منشوراته على “فيسبوك” و”تويتر”. وقد تبنت لجنة “توم لانتوس” لحقوق الإنسان في الكونغرس قضيته.
عندما قابلت منصور وبعض الناشطين الإماراتيين قبل سنوات، لاحظت مدى خوفهم من السلطات. فقد أخبرني أحد الناشطين المخضرمين أن، “جهاز أمن الدولة هو من يدير البلاد فعلياً، بغض النظر عن ماهية المسؤول الحكومي. وهو جهاز ذو سلطة مطلقة لا يخضع للمساءلة ويثير الرعب في نفوس الجميع”.
منذ ذلك الحين، أُسكتت أصوات من تبقى من نشطاء المجتمع المدني أو سجنوا أو أُبعدوا إلى المنفى. إذ يمضي منصور وناصر بن غيث، وهو ناشط آخر يحظى بتقدير دولي (تخرج ناصر من كلية الحقوق بجامعة كيس ويسترن ريزيرف في أوهايو) حكماً بالسجن لعشر سنوات.
لا ينبغي أن تقلق واشنطن من سجل حقوق الإنسان الإماراتي فحسب. إذ تغازل حكومة أبو ظبي روسيا وتوطد علاقتها معها. فقد وقع محمد بن زايد، القائد الفعلي للإمارات العربية المتحدة، في العام الماضي “إعلان شراكة استراتيجية” مع فلاديمير بوتين، وهو الأول من نوعه لروسيا في منطقة الخليج العربي. وفي العام قبل الماضي، أبرمت الإمارات اتفاقية لشراء أسلحة روسية، من بينها صواريخ مضادة للدروع والدبابات وطائرات “سوخوي” المقاتلة، وكذلك المشاركة في تطوير طائرات مقاتلة خفيفة.
تشير تقارير أيضاً إلى أن زايد هو العقل المدبر وراء النزاع الإقليمي مع قطر، والذي وضع الولايات المتحدة في موقف محرج وأجبرها على التوسط بين حلفائها العسكريين.
آآ
وعلى رغم تباطؤ الولايات المتحدة في إعادة تقييم علاقتها بالحكم الدكتاتوري في الإمارات، تمارس مؤسسات أميركية أخرى ضغوطات على الحكومة من أجل تغيير السياسات. وأثار وجود فرع لجامعة نيويورك في الإمارات انتقادات متزايدة، لا سيما بعد اعتقال الأكاديمي البريطاني ماثيو هيدغز وتعذيبه وإصدار حكم بالسجن ضده. وفي مطلع هذا العام، أعلنت مؤسسة “مركز التقدم الأميركي” الفكرية غير الربحية والتي تتخذ من واشنطن مقراً لها، أنها لم تعد تقبل تمويلاً من حكومة الإمارات، بعد ادعاءات بممارسة الإمارات تأثيرات غير لائقة عليها. أخيراً وبحقٍ أصبحت الأموال الإماراتية مصدراً للإحراج.
كما يجب أن يكون تسليح الإمارات العربية المتحدة بينما تدعم الانتهاكات المروعة في ليبيا واليمن والسودان وفي الداخل، مصدراً للإحراج أيضاً. بل ينبغي في الواقع ألا يكون ذلك أمراً مقبولاً. ربما تأخرت الجهود الرامية إلى وضع حدٍ للدعم الأميركي غير المشروط للمملكة العربية السعودية كثيراً. لكن لا ينبغي أن يغفل الكونغرس عن شريك المملكة في الجرم.