خالد عليان يكتب عن الزعيم الراحل والمعركة الأخيرة
الساعة 10:38 صباحاً

‏جاء الفيلم الوثائقي الذي بثته قناة العربية عن المعركة الأخيرة للرئيس السابق علي عبدالله صالح شاهداً حياً على واحدة من أكثر اللحظات دموية وخيانة في التاريخ السياسي اليمني الحديث.

شهادة بلسان المقربين وأبرزهم نجل الرئيس ( مدين ) الذي شاركه اللحظات الأخيرة وعدد من مرافقيه الشخصيين تكشف بما لا يدع مجالأ للشك : أن الحوثيين لم يكونوا يوماً أهلاً لعهدٍ ولا اتفاق ولا شراكة . 

لقد خانوا صالح ، كما خانوا قبله وبعده كل من وثق بهم.

حاصروا الرجل الذي حكم اليمن أكثر من ثلاثة عقود حين قرر أن ينتفض على شراكتهم المهينة ، وهو يراهم يوماً بعد الاخر ينقضون الاتفاقات ويعطلون الدستور ، ويتوسعون طائفيا ، ويقصون كل حلفائهم من مواقع اعمالهم . 

إن موقفه الختامي امام مليشيات الحوثي ، وثباته على الأرض ، واختياره الانحياز الى الجمهورية جعل حتى من حمّلوه تبعات ادخال الحوثي وتسهيل سيطرته على مفاصل الدولة يترحمون عليه ، ويكبرون موقفه البطولي في تلك اللحظة التي ربح فيها الزعيم شرف الشهادة وخلد اسمه في ذاكرة شعبه كأيقونة مقاومة 

لا كرئيس ٍخرج من السلطة .

الفيلم رغم أنه لم يأتِ بمعطيات ميدانية جديدة إلا أنه نجح في إيقاظ الوجدان اليمني وإعادة ضخ الحياة في ذاكرتنا الجمعية. 

أعاد إلينا لحظة الخيانة الكبرى وشاهدنا عبر اللقطات المستوحاة بالذكاء الاصطناعي كيف حاصرت المليشيا دار الزعيم من كل الجهات مستخدمة الاليات العسكرية التي استولت عليها من مخازن الدولة ؟ وكيف هددت الحرس والجنود باطفالهم واسرهم وبالاموال حتى دفعت بعضهم الى خيانة الموقف ؟ 

ما حدث من اغتيال للرئيس السابق هو مشهد إعدام سياسي مرتب ومعد بعناية في دهاليز الحرس الثوري الإيراني. 

لا تمتلك هذه الجماعة المسلحة كل هذا التكتيك العسكري ، ولا يمكنها ان تتقن الاختراقات الأمنية الا عبر خبراء أجانب ساهموا في تدمير اربع عواصم عربية 

إن اغتيال علي عبدالله صالح في ذلك التاريخ هو بالنسبة للحوثيين اغتيال لصوت الجمهورية واسقاط آخر القلاع التي كانوا يخشونها . 

الشاهد المستخرج من تفاصيل المعركة الأخيرة للرئيس صالح أن الحوثيين لم يقتلوه لأنه خانهم كما زعم سيدهم بل قتلوه لأنه تجرأ على قول (لا) لمشروعهم الطائفي الامامي المعتق ، لأنه امتلك الشجاعة في لحظة فارقة وطالب بالدفاع عن الجمهورية ، لأنه لجأ إلى جماهيريته ، واستعاد وعيه السياسي رغم سنوات من التحالفات المتأرجحة.

صالح مات بطلاً لقد قاتل حتى آخر رصاصة ورفض الهروب رغم عروض الوساطة وعلى رأسها كما أشار الفيلم : وساطة عمانية.

كان بإمكانه النجاة لكنه اختار أن يختم حياته في ساحة الشرف لا في صالات المغادرة .

لا شك أن الرئيس صالح أخطأ في سنوات حكمه الطويلة ، وأخطأ أكثر حين سلم الحوثيين مفاتيح صنعاء ، لكنه في لحظة المواجهة الأخيرة غسل كثيراً من تلك الأخطاء بدمه.

الفيلم كان أكثر من قصة وثائقية ، لقد كان وثيقة اتهام كبرى ضد جماعة لا تملك أدنى مقومات الدولة ولا تحمل أي مشروع وطني.

جماعة تعرف كيف تقتل ، كيف تغدر ، كيف تخنق أنفاس اليمنيين ، لكنها لا تعرف كيف تحكم ولا كيف تبني.

أعاد الفيلم إلى الأذهان صورة عارف الزوكا ، الأمين العام للمؤتمر الذي جسد الوفاء والشراكة بالدم 

وسلط الضوء على آخرين سقطوا شهداء في تلك اللحظة الخالدة ولم يتأثروا بالاغراء والتهديد . 

أعاد الفيلم مشهد صوت البندقية التي لم تخن صاحبها وصورة الزعيم الذي لم يسقط وهو يفاوض أو يهرب بل سقط وهو يقاتل . 

 أختتم الفيلم لقطته الأخيرة بمشهد سقوط علي عبدالله صالح مضرجا بالدماء واصوات القادمين من الكهوف حوله في مشهد انتشاء ، لكن الجمهورية لم تسقط والذاكرة لم تُثقب.

ختاما : هذا الفيلم يفضح وحشية المشروع الحوثي ويمنحنا نحن اليمانيون جرعة إضافية من العزيمة والوجع ، ويدفعنا لأن نعيد ترتيب معركتنا من جديد : معركة الذاكرة ، معركة الجمهورية ، معركة استرداد اليمن من يد المشروع الظلامي.