قلق وطني .. بلمسات رسمية..!!
الساعة 10:54 مساءاً
في المطعم يتجمع العمال في احدى الزوايا البعيدة عن اعين المالك، يواجهون اصوات الزبائن بصمم مصطنع .. يعبرون لا إراديا عن احتجاجهم ورفضهم للأجر الزهيد الذي يتقاضونه بعدم الإكتراث بالطاولات وطلبات الزبائن .. رب العمل بكل تأكيد يستغل البطالة وغياب فرص العمل ويعتقد انه يربح ويحقق وفرا سببه ايد عاملة رخيصة. بيئة العمل القلقة المفتقرة لمبدأ انصاف اهم محاور العمل تمهيد لإيقاظ فشل غاف في مكان قريب وطرقات قليلة تكفي لإذكاء نشاطه .. وفي ظل الحرب التي تعيشها البلاد يتكاثر الإنتهازيون ويتقافزون وتتسع خطواتهم افقيا وعموديا، وتجدهم يحومون حول اكوام المال، ويتصدرون المشهد كأبطال. الوطن لغة خشبية تؤكد ادعاءاتهم وكذبهم العلني ومع ذلك يتمنطقونها في خارطة وطنهم الخاص الذي يقود الى المال .. كلما طالت الحرب، كلما لمعوا وازدادوا بريقا، وهدتهم الوطنية ذاتها الى مسالك جديدة للنهب .. وهكذا تزدهر وتتشكل عقارات وارصدة وشركات ومخازن واسواق وانشطة لاتتوقف. يتراءى لنا الوطن الذي نريد في صوت «ايوب طارش»، ونكتشف ونحن نبحث في سيرهم الحديثة عن شيء نطمئن له فنتعثر بخيبات وحبائل وطنهم. يؤسسؤن الوية عسكرية من أسرهم وقراهم، ويعربون عن رفضهم للمناطقية، ويؤسسون التكتلات الجهوية تحت يافطة «وطن للجميع» .. ينقضون على حقوق الناس نهباً وتنكيلاً بذريعة محاربة الفساد .. ويعبثون بأمن الناس وسكينتهم اختطافاً واعتقالاً واخفاءً تحت عنوان «اشاعة الأمن». وجدتني اكتب عنهم ووطنهم، ربما لشعور يتعاظم في داخلي بكونهم اصطفاف يشبه جملة: «الإرهاب ليس له دين أو دولة» .. نحتفي بها وهي تخرج دافئة من حناجر ساسة رغم يقيننا بأنهم ليسوا رحماء .. وربما لكونهم يتعاملون مع خيالات واحلام إكتفينا بها زاداً لمواصلة السير دون وجهة، كفرصة لتعميق غواياتنا. في وزارة الصحة احد المدراء يحتجز لأسباب غير معلومة ملفات مرضى لم يجدوا علاجاً في بلدهم اليمن، فاتجهوا الى هذه الوزارة للحصول على منح علاجية تصدقت بها دول أخرى لبؤساء اليمن، فقضوا شهورا طويلة يتابعون الوزارة التي تبدو غير مكترثة بصحة الناس، وحين وصل بعضهم الى المرحلة قبل النهائية احتفظ المدير بها ليدشن هو الآخر عرقلة جديدة غير مبررة. سمعنا عن الإطاحة بحكومات محترمة جداً في بلدان اكثر احتراماً بسبب التقصير البسيط تجاه مواطن من تلك البلدان .. كأن تتأخر سيارة الإسعاف لوقت قصير، أو لكونها لم تنقذ شخصاً من حالة غرق، أو بسبب موجة نكد ناجمة عن تقصير غير متعمد من قبل جهة .. لا داعي لقبول هذه الوقائع لنحمي انفسنا من اوجاع إضافية. ما بين الضحك والإستغراب عشت لحظات وانا اقرأ اقالة الدكتور احمد عبيد بن دغر من منصبه كرئيس للوزراء .. موضع الغرابة في الأمر كان في الديباجة وخاصة ما يتعلق بالكارثة الطبيعية التي إجتاحت المهرة، وتحميل تبعاتها «بن دغر» الذي يجد صعوبة ويواجه مخاطر حين يخرج من قصر المعاشيق في العاصمة المؤقتة عدن، ويرأس حكومة بلا صلاحيات حقيقية وبلا موارد، ووزراء عاجزون يجأرون بالشكوى وقلة ما باليد. يقيلون «بن دغر» بمبرر غير محترم وقليل أدب وفيه قفز على وعي الناس وعدم احترام لفهم .. أكان عجزاً أن يجدوا مبررا آخر اكثر اقناعاً؟ .. هل يعقل أن «بن دغر» نظيف اليد وحاذق الى هذه الدرجة التي اعجزتهم عن ايجاد مبرر لائق ومناسب. في الحقيقة «بن دغر» بالمقاييس الوطنية والسياسية والإنسانية كان مميزاً، واستطاع ان يعمل في مرحلة وصفت بالأصعب والأكثر تعقيداً على امتداد التاريخ اليمني، وانجز وحقق الكثير مقارنة بزحمة المطبات والكمائن التي واجهها. لن اجتهد في البحث عن أسباب اخرى للإقالة إياها ولا داعي للحديث عن انهيار العملة غير المحكومة في حالتي الإنبساط والإنقباض، أو الإنهيار السريع والتراجع المشابه بمنطق أو بسياسة حكومية موجهة .. فما يحدث لا يختلف كثيراً عن «سوق القات» الذي يخضع السعر فيه للعرض والطلب. حكومة «بن دغر» بصعوبة استطاعت ان تنتزع موازنة مفترضة، وحاربت في سبيل ذلك واعتبره الناس انجازاً، ومؤشرا ايجابيا يلوح بإمكانية استقرار ودولة قد تخرج من بين رماد الحرب. لم يقل الناس شيئاً حين أعفي «بن دغر» من موقعه .. انشغلوا بتعافي الريال الذي بدا مفزعاً في حالة تؤكد أن لاعباً خفياً يتحكم بمخازن من العملات يقف وراء مايحدث .. اكتفى الجميع بدور «فاغر الفاه» الذي يترقب نهاية ترسمها أمزجة خفية. أن تتحول المناصب الحكومية الى بيئة عمل قلقة يعتمد بقاء أو مغادرة الشخص فيها على امزجة خفية بعيدا عن القوانين ومعايير الأداء والكفاءة والإحترام، فإن احداً لن يجد الوقت للتخطيط والتنفيذ والتطوير .. وبمقاييسنا المعمول بها - الم يكن «بن دغر» على المستوى السياسي والإداري والشخصي ناجحاً ومحترماً؟ .. سأكتفي بهذا التساؤل.