في يوم بائس وصادم عاشته محافظة تعز، اكتملت بشاعة الواقع بجريمة لم تكن مألوفة حتى في سجل الدم الذي اعتادته المدينة. فقد أقدمت أيادٍ آثمة على اغتيال مديرة إدارة النظافة والتحسين المرأة التي لم تحمل سوى رسالة الخير والرغبة في بناء مدينة نظيفة تليق بأهلها، لتصبح ضحية لرصاص الغدر وسط فساد ينهش جسد المحافظة منذ سنوات طويلة.
هذا الاغتيال لم يكن مجرد حادثة قتل، بل هو نذير خطير لمرحلة انعدام كامل للإنسانية ولأدنى معايير الرجولة. حين تمتد يد القاتل لتغتال امرأة كانت ساعية إلى الإصلاح، فإن المشهد يعكس حجم الانهيار القيمي الذي وصلت إليه هذه العصابات، التي لا ترى في الحياة سوى فوضى ومصالح ضيقة تحميها فوهات البنادق. فبأي عقل ومنطق يتصور إنسان أنه قادر على إخماد صوت الحق برصاصة؟
فساد يأكل مؤسسات الدولة
الجريمة لم تكن معزولة عما يحدث في تعز منذ سنوات، فالفساد المتجذر في مؤسسات الدولة هو الغطاء الأكبر لهذه العصابات، وهو الحاضنة التي تجعل القاتلين يتحركون بلا خوف ولا عقاب. كل من يرفض هذا الكابوس أو يحاول تغييره، يصبح عدواً في نظر منظومة الفساد التي اعتادت على استمرار الوضع كما هو. اغتيال مديرة النظافة والتحسين رسالة واضحة بأن كل من يحاول إصلاح هذا الخراب، حتى وإن كان مجرد عمل بسيط لتنظيف الشوارع، فهو في مرمى الاستهداف.
مسؤولية السلطة المحلية
أمام هذا المصاب الجلل، تخرج تساؤلات مشروعة ومؤلمة: أين صوت المحافظ نبيل شمسان؟ وأين موقف مدير الأمن الذي يفترض أن تكون مسؤوليته حماية أرواح المواطنين؟ عدم صدور موقف واضح وصريح، أو الاكتفاء ببيانات باهتة في حوادث بهذه الخطورة، لا يعني سوى استهتار متواصل بدماء الناس، وإصرار على ترك الفوضى تعبث بأمن تعز ومستقبلها.
واجب المجتمع قبل الدولة
اغتيال افتهان المشهري ليس حادثاً عابراً يُطوى مع الأيام، بل هو جرح مفتوح في ضمير المدينة. إذا بقي صمت المجتمع مساوياً لصمت السلطات، فلن يكون هناك ما يردع قتلة اليوم ولا يمنع قتلة الغد. لذلك، فإن هذه القضية يجب أن تكون محطة فاصلة لمطالبة حقيقية بمحاكمة الجناة والكشف عن المتورطين، بعيداً عن صفقات الفساد ومساومات السياسة.
امرأة تغتال لأنها أرادت أن تنظف
كم هو مرعب هذا المشهد: امرأة تخرج تحت الشمس لتأمر عمالها بتنظيف الشوارع وإزالة القمامة، فإذا بعصابة قررت أن تنظف هي الأخرى، لكن بطريقتها... تنظف بصوت الرصاص من يخالف مصالحها، وتزرع بدلاً من أشجار الحياة أشواك الموت في طرقات تعز.
إنها ليست حادثة اغتيال فحسب، بل جريمة مكتملة الأركان ضد الإنسانية والضمير والأخلاق. من حق الضحية أن يسأل قاتلها: بأي ذنب قُتلت ؟
