من الغريب ان هناك من يعارض التوافق اليمني / اليمني على عدة خطوات ستمهد للعودة إلى خارطة الطريق التي قد تؤدي إلى تحسين الوضع الإنساني وتطبيع الأوضاع الامنية انتهاء بتسوية سياسية تاريخية . وهو التوافق الذي أعلنه المندوب الاممي عقب التطورات الخطيرة في المنطقة…
ان الضربة الاسرائيلية الأخيرة لميناء الحديدة التي لا يوافق عليها أحد لا في اليمن ولا في المنطقة ولا في الأمم المتحدة لانها تمس مصالح الشعب اليمني في معيشته وبنيته المدنية التي لا ينبغي تدميرها. فهي ليست مناطق عسكرية ولا مخازن اسلحة ومسيرات وصواريخ ربما لا زال الإيرانيون يخزنونها بأمان في الكهوف الحوثية وتحت أنظار الاقمار الاصطناعية .
ولا يعتقد كثير من المراقبين ان صراع النفوذ بين ايران واسرائيل قد وصل إلى مرحلة الحرب الشاملة التي يُسمح فيها بقصف المدن والموانئ والمطارات. فلازالت الضربات المحدودة التي يتبادلها الطرفان الإيراني والاسرائيلي تحت السيطرة. وفي اطار قواعد الاشتباك المتفق عليها بين الطرفين . باستثناء الضربة الاسرائيلية التي تلقاها الحوثيون في الحديدة والتي تعتبر استثناءً من كل عمليات المحور الإيراني ! ومن الواضح ان ضرب ميناء الحديدة قد تسبب بأضرار جسيمة للميناء ولمصالح الادارة الحوثية في الهضبة الشمالية ، مما تسبب في حراجة الموقف السياسي لصنعاء ، بصرف النظر عن الشعارات الشعبوية والخطابات الثورية . وهذا التطور قد يؤدي إلى تثبيت المعادلة السابقة لتوازن القوى في اليمن ، الذي يمنع انتصار احد الطرفين .
كان الحوثيون يعتقدون ان الاشتباك مع إسرائيل سيمنحهم شرعية ثورية وفائض قوة سياسية. لكنهم لم يفطنوا إلى انهم تخطوا شروط الاشتباك المتفق عليها بين تل ابيب وطهران. او ان الوكيل الاقليمي الإيراني ضحى بهم عندما استخدمهم كجبهة مفتوحة غير مكترث لصلف الرد الاسرائيلي ، او انه استبعد هذا الرد لاعتبارات منها الضغط الأمريكي على إسرائيل بعدم توسيع الصراع . وكذلك بعد اليمن جغرافياً عن منطقة الاشتباك. لكن العارفين بسياسة طهران يدركون انضباطها وخطواتها المحسوبة لحد كبير في الصراع مع الغرب وإسرائيل.
بالنتيجة حصل الرد المدمر في حديدة اليمن الذي سيقوض أية محاولة من صنعاء لحماية الاقتصاد من الانهيار ، فميناء المدينة الساحلية مقوم رئيسي للإدارة المالية واقتصاديات صنعاء. وإعادته لوضعه الطبيعي امر في غاية الصعوبة.
لذا يمكن القول بان الحوثيين ادركوا اليوم بعد خراب الحديدة اهمية السياسة في الحفاظ على ماتبقى من قوتهم . مما سهل التوافق مع الحكومة الشرعية على خطوات لايقاف التصعيد المتبادل ، وهو على كل حال يمثل بادرة امل لعودة الحوار حول خارطة الطريق التي طرحها المندوب الاممي.
من الغريب ان هناك من لا يعجبه التوافق حول رؤية مشتركة بين الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً والحوثيين ؛ رغم انه ثبت للجميع انه لا سبيل لانتصار اي من الطرفين على الآخر في ظل توازن القوة الراهن والوضع السياسي الممزق في اليمن المتمثل بعزلة الحوثيين واستهدافهم دولياً ، وبعدم وحدة مكونات الشرعية بالصورة اللازمة .
ان استمرار الأزمة إلى مديات غير معروفة وبقاء اليمن ساحة نزاع بلا أفق هي وصفة لتدمير المجتمع اليمني المنهك أصلاً ، وتفككه وانحداره إلى هوة عميقة مليئة بالألام. والمصلحة الوحيدة باستمرار الوضع الراهن هي لاعداء اليمن والمنطقة الذين يرون في عدم الاستقرار الاقليمي فرصة سانحة لابتزاز وحداتها السياسية واستنزاف مواردها وتعطيل نهوضها.
لعل الوضع الاقتصادي المنهار والأخطار الامنية المتصاعدة قد أيقظت العقول في اليمن مثلما فعلت في طهران وغيرها.
وقد نرى بكين التي اثبتت انها وسيطاً نزيهاً في قضايا المنطقة المعقدة مثلما فعلت بين بين السعوديين والايرانيين، والسلطة الفلسطينية وحماس تتدخل لدفع تسوية يمنية تعيد الدولة إلى عاصمتها وأدوارها السيادية. وهو ما قد يحتاجه المندوب الاممي.