آ آ آ آ آ آ
شهدت العملة اليمنية (الريال)انهيارا جديدا أمام العملات الأجنبية، ما جعل الكثير من شركات الصرافة تغلق أبوابها أو تمتنع عن بيع العملات الصعبة، وذلك بعد يومين من تمدد الصراع بين الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي الجنوبي إلى الملف الاقتصادي.
وأفاد مصرفيون في مدينة عدن لـ«الشرق الأوسط» بأن سعر الدولار الواحد كسر حاجز 800 ريال في السوق المصرفية، هو أكبر انخفاض تشهده العملة اليمنية منذ انقلاب الميليشيات الحوثية في 2014، والأعلى إطلاقا منذ تفجر الصراع بين الحكومة والمجلس الانتقالي الجنوبي وإعلان الأخير ما سماه «الإدارة الذاتية» في المحافظات الجنوبية.
وفي الوقت الذي يخشى فيه الموظفون الحكوميون في المناطق المحررة من حرمانهم من رواتبهم الشهرية عقب استيلاء «مليشيات الانتقالي» على حاويات الأموال الخاصة بالبنك المركزي، تسود مخاوف من أن ينعكس كل ذلك على الحالة الاقتصادية المتردية في البلاد، ويفاقم من سوء الأوضاع الإنسانية.
وكان مسلحون تابعون لـ«مليشيات الانتقالي» استولوا قبل يومين على نحو سبع حاويات تضم أموالا تقدر بـ80 مليار ريال يمني أثناء نقلها من ميناء عدن إلى مقر البنك الرئيسي، الأمر الذي اعترف به «مليشيات الانتقالي» رسميا وندد به البنك والحكومة الشرعية
. ومع التهاوي الجديد في سعر العملة أصدر المركزي اليمني الاثنين تعميما إلى شركات وشبكات الصرافة بكافة محافظات اليمن، أكد فيه على «عدم تجاوز أرصدة حسابات الوكلاء في الشبكات للسقوف التأمينية الخاصة بكل وكيل على حدة من وكلاء شبكة الحوالات».
ودعا البنك إلى إيقاف انكشاف الحسابات النقدية بالريال اليمني بشكل كامل، والقيام بتصفية أية انكشافات قائمة حالياً، مشددا على عدم المضاربة بسعر الصرف عبر شبكات الحوالات بتنفيذ عمليات بيع أو شراء العملات الأجنبية عبر التغطيات أو التحويل بين الحسابات بالريال اليمني والعملات الأجنبية، والذي يؤدي إلى التأثير على استقرار سعر الصرف في السوق، بحسب ما جاء في التعميم.
وشدد البنك على ضرورة الالتزام بعدم التعامل بشكل نهائي مع أي صرافين غير مرخصين من قبل البنك المركزي وفقاً للتعليمات والضوابط الخاصة بالتعامل مع الوكلاء والمراسلين، والاستمرار بتغطية احتياجات العملاء من النقد الأجنبي من خلال العرض المتوفر لديهم، وعدم المضاربة بسعر الصرف من خلال الطلب من صرافين آخرين بسعر أعلى من سعر السوق.
وفي حين هدد البنك باتخاذ تدابير قانونية بحق المخالفين، يخشى المراقبون من أن يؤدي التهاوي المستمر للعملة اليمنية إلى ارتفاع حاد في أسعار السلع الضرورية وتناقص القدرة الشرائية لدى السكان، بخاصة في ظل التعنت الموازي من قبل الميليشيات الحوثية التي تمنع تداول الطبعة الجديدة من الفئات النقدية في مناطق سيطرتها.
وفي أول تعليق للحكومة اليمنية على استيلاء «الانتقالي» على حاويات الأموال، عبرت عن إدانتها للواقعة ووصفتها بـ«الفعل الهمجي وانتهاج أساليب العصابات».
واتهمت الحكومة الشرعية في بيان بثته المصادر الرسمية المجلس الانتقالي بأنه «مستمر في رفض تنفيذ اتفاق الرياض وتعمد إفشاله والإصرار على تحدي الجهود المبذولة من المملكة العربية السعودية لتنفيذ الاتفاق، وتوحيد المعركة الوجودية لليمن والتحالف في القضاء على مشروع إيران».
وقال البيان: «في الوقت الذي ينتظر الشعب اليمني من هذه المجموعات المنفلتة أن تخضع لصوت العقل وتراجع حساباتها وتظهر قليلا من المسؤولية والاهتمام بمشكلات ومعاناة المواطنين وتعود عن طيشها من خلال التراجع عن إجراءات ما يسمونها بالإدارة الذاتية والعودة إلى اتفاق الرياض، فإنها كل يوم تثبت عمليا ليس تخليها عن تنفيذ الاتفاق فحسب بل تؤكد أنها مجرد مجموعات منفلتة لا تدرك مخاطر ما تقوم به وانعكاساته على سمعة البنك المركزي وتأثيرات هذه التصرفات على العملة الوطنية والاقتصاد الوطني».
وحذر مجلس الوزراء اليمني من «الأخطار الجسيمة التي يمكن أن تترتب على ذلك في تدهور سعر صرف العملة وتعريضها لمزيد من الانهيار الكارثي الذي لا يمكن تفادي عواقبه، ولن يسلم منها جميع اليمنيين دون استثناء». كما أكد دعمه لموقف البنك المركزي اليمني في تحذيره من عدم المساس بأي من الموجودات في هذه الحاويات وتحميل مرتكبي هذا الفعل كافة النتائج والانعكاسات الخطيرة المترتبة على ذلك.
وكانت ما تسمى «اللجنة الاقتصادية العليا بالإدارة الذاتية التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي» سارعت إلى إصدار بيان حاولت فيه التبرير لما أقدمت عليه من استيلاء على أموال البنك، زاعمة أن ذلك يأتي «انطلاقاً من واجبها في حماية مصالح المجتمع، ومنع المزيد من تداعيات انهيار العملة المحلية وما ينجم عن ذلك من تدهور مخيف في معيشة المواطن».
واعترف «مليشيات الانتقالي» أن إدارته الذاتية التي كان أعلن عنها أواخر أبريل (نيسان) الماضي وجهت بالتحفظ على عدد من الحاويات التي تحوي أوراقاً مالية طبعت دون غطاء ومنع دخولها للبنك المركزي.
وقال البيان إن «التحفظ على هذه الأموال يهدف إلى تصحيح مسار عمل البنك، وضمان اتخاذه إجراءات جادة وفاعلة لكبح جماح ارتفاع سعر الصرف الأجنبي أمام العملة المحلية، وإعادة التوازن إلى مستويات مقبولة تتناسب مع التكلفة الاقتصادية للعملة».
وتابع: «كما أن هذا الإجراء يأتي ضمن حزمة من إجراءات تجفيف منابع الفساد، ولتفادي استخدام المال العام في دعم الإرهاب والإضرار بمصالح شعبنا من قبل بعض قيادات الحكومة اليمنية المتمردة على اتفاق الرياض»، بحسب قوله.
واتهم بيان «مليشيات الانتقالي» البنك المركزي اليمني بأنه «منذ نقله إلى عدن في سبتمبر (أيلول) 2016، قام وبصورة مخالفة، بطباعة عملة يمنية بنحو تريليوني ريال، دون غطاء من النقد الأجنبي، ما تسبب بحالة تضخم في الأسعار وتدهور سعر العملة المحلية أمام الصرف الأجنبي»، وهي ذات التهمة التي دأبت الجماعة الحوثية في صنعاء على توجيهها للحكومة الشرعية.
ويعتقد الشارع اليمني أن أفضل الحلول لإنهاء الصراع المسلح والسياسي والاقتصادي بين الشرعية و«مليشيات الانتقالي» هو الرجوع إلى تنفيذ بنود «اتفاق الرياض» الموقع في 5 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي برعاية سعودية.