مع بداية هذا العام 2020م وبعد خمس سنوات من الحرب في اليمن قرر التحالف بقيادة المملكة العربية السعودية إتباع سياسة جديدة في تعاطيه مع الملف اليمني ، سياسة تشبه إلى حد ما تلك السياسة التي اتخذها عام 2014م وهي سياسة ضرب القوى التي كانت توصف ب ” القوى التقليدية ” والتي كانت تمثل – بحسب ما روج له حينها – عائقا أمام يمن جديد وتطبيق مخرجات الحوار وهذه القوى هي ” القبيلة ” حاشد ” وحزب الإصلاح وجامعة الإيمان والفرقة الأولى مدرع باعتبار أن ضرب هذه القوى سيحقق الأهداف المشتركة لقوى محلية تقدمية وللأطراف الإقليمية والدولية وستكون مليشيا الحوثي هي من يقوم بالمهمة لاعتبارات كثيرة مقابل تحقيقها لبعض المكاسب والامتيازات واشراكها كطرف فاعل في مستقبل اليمن .
واتفقت القوى المحلية والإقليمية والدولية على هذا وانتهت تلك الفترة بسيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء وتوغلهم في شتى مناطق اليمن ووصولهم إلى سواحل أبين ، بعدها رأت الأطراف الإقليمية والدولية بأن الحوثيون قد خرجوا على النص ولم يلتزموا بالاتفاق ولذا أعلنت السعودية تشكيل ” التحالف العربي لإعادة الشرعية ” وشنت في 26 مارس آذار 2015م العملية العسكرية المعروفة ب ” عاصفة الحزم ” و وبعدها ” إعادة الأمل” وغيرها ومع مضي الوقت والسنوات وتفكك التحالف وانكشاف اجندته لم تعد الشرعية إلى صنعاء ولا إلى عدن ودخلت اليمن مرحلة اللاسلم واللاحرب واستمرت هذه المرحلة حتى نهاية عام 2019م والتي كان من أبرز أهدافها إنهاك جميع القوى وضرب كل الأطراف وتهيئة المشهد اليمني لمرحلة جديدة .
لكن الذي حدث أن الحوثيون فرضوا وجودهم ورتبوا صفوفهم واستفادوا من تفرق التحالف وتباين صفوف الشرعية وضعفها وغياب قرارها فتحركوا بقرار موحد وخطوات مدروسة وطوروا من قدراتهم الدفاعية والصاروخية والجوية ومع دخول هذا العام الجديد 2020 م أدى تغير خطط التحالف ورغبته في تصفية حزب الإصلاح سياسيا وعسكريا إلى تحقيق الحوثيين انتصارات كبيرة في نهم شرقي صنعاء أولا وفي مأرب والجوف ثانيا واذا كان ما سبق هو المبتدأ ففي السطور القادمة الخبر .
الذي حدث هذا العام باختصار هو أن هناك جهات دولية وإقليمية ويمنية استطاعت اقناع السعودية بأن بقاء هذاالوضع على ما هو عليه يشكل استنزاف وعبث كبير بقدرات المملكة التي تبددها في اليمن وهي في الوقت نفسه تواجه تحديات كبيرة في جبهات ومجالات عدة وبأن حزب الإصلاح في اليمن يتزعم هذا الاستنزاف والعبث في المعركة ضد الحوثي ولذا لابد من تصفية القيادات العسكرية والقبلية والسياسية المحسوبة على الإصلاح والتي تشكل واجهة هذا العبث والسبب في تعثر المعركة فهي غير جادة في مواجهة الحوثي وغارقة في الفساد والعبث وقد استأثرت بقيادة الشرعية وووو الخ من المبررات التي تم طرحها لإقناع السعودية بأن يكون عام 2020 م هو عام إنهاء ما بقي من نفوذ للإصلاح في اليمن خاصة وولاء هذه القيادات الإصلاحية ليست للسعودية وإنما لقطر وتركيا وبقاءها في مواقعها يشكل عائقا أمام تحقيق وتنفيذ سياسة التحالف ” الإمارات والسعودية ” في اليمن وإطالة لأمد المعركة ومواصلة للاستنزاف المالي والعسكري والتيه السياسي .و
قد جاءت الأحداث في المهرة مؤخرا فأكدت للسعودية أهمية هذه الخطة والمضي في تنفيذها فقد اعتبرت السعودية ما حدث مؤامرة إصلاحية ضد الوجود السعودي في المهرة وبدعم وتمويل قطري ولكي يتم إزاحة هذه القيادات الفاسدة – بحسب طرح تلك الجهات التي تبنت الخطة – كان لابد من إيجاد الفريق الجديد الذي يقود المرحلة في مواجهة الحوثي ولكي يمضي تنفيذ هذا المخطط في أرض الواقع لابد من إسقاط ما تبقى من قلاع وحصون للإصلاح وتسهيل سيطرة الحوثي على الجوف ومأرب وضرب حزب الإصلاح وبعدها يتم إطلاق قيادة جديدة للجيش والمقاومة قيادة وطنية جديدة يقودها رجال المؤتمر أمثال طارق محمد عبد الله صالح .
وفي هذا الإطار التقى نائب وزير الدفاع السعودي خالد بن سلمان – الممسك بملف اليمن منذ ضربات أرامكو – بطارق صالح مؤخرا ووعده بتسليمه ملف تحرير اليمن وتوحيد قوى الجيش الوطني والمقاومة تحت قيادته .
وطالما لم يكن الوقت مهيأ بعد لكي يقود طارق صالح الجيش الوطني والمقاومة ضد الحوثيين فكان لابد من اقصاء القيادات العسكرية والقبلية المحسوبة على الإصلاح في الجوف ومأرب كونها عقبة أمام تمكين طارق صالح وعائقا أمام تحقيق الإمارات لاجندتها في الجنوب فهي من تمد مناطق شبوة وأبين بالدعم والمقاتلين – بحسب رؤية الإمارات –
ولكي تزول هذه العقبات والعوائق لابد من تسهيل سيطرة الحوثي على الجوف ومأرب وتحقيق عدة أهداف بعملية واحدة
أولا : ضرب الإصلاح والقيادات المحسوبة عليه عسكريا وقبليا..
وثانيا : سيتم تحميله مسؤولية ما جرى وتخوينه وطرح خطاب يؤكد فشل الإصلاح ولابد من تسليم قيادة مواجهة الحوثي لرجال المؤتمر فهم رجال الدولة وأهل الخبرة والثقة وطارق صالح هو رجل المرحلة .
وثالثا : سيتم افقاد مناطق الشرعية في الجنوب وهي شبوة ووادي حضرموت وبعض مناطق أبين من مناطقدعمها واسنادها وتسهيل ضمها واخضاعها بعد ذلك لسيطرة مليشيا الانتقالي .
لقد طرحت الإمارات هذه الخطة وتم إقناع الرياض بها ولم يكن تأكيد قيادات اماراتية مقربة من محمد بن زايد ” ان عام 2020 م هو عام القضاء على الإصلاح ” من فراغ بل هو نتيجة خطة سيتم تنفيذها على أرض الواقع .
وقد بدأت تنفيذ هذه الخطة من جبال نهم حين وجهت قيادة وزارة الدفاع التابعة للشرعية في مأرب مطلع فبراير شباط الماضي الألوية المرابطة في نهم بالانسحاب ” التكتيكي ” وترك سلاحها وعتادها غنيمة باردة للحوثيين وكانت هذه هي المرحلة الأولى وقد مثلت تلك العملية انتصارا كبيرا للحوثيين فقد سيطروا على مساحة شاسعة وغنموا الكثير من الأسلحة والعتاد العسكري النوعي فيما أسموه حينها بعملية ” البنيان المرصوص ” .
المرحلة الثانية تمت في الجوف بمنع أي دعم وإسناد للجيش والمقاومة هناك بقيادة أمين العكيمي رغم مناشداتهاالمتكررة وتحذيراتها حتى سقطت مدينة الحزم عاصمة محافظة الجوف أمس الأحد 1 مارس آذار 2020 م بأيدي الحوثيين وذلك بعد يومين من انسحاب قوات التحالف بكامل جنودها وعتادها من الجوف وهذا بحسب ما أكده القيادي في اللواء 155 مشاة التابع للشرعية العقيد ربيع القرشي والذي أكد في تصريحات ل”قناة بلقيس ” الإخبارية بأن ” قوات التحالف سحبت معداتها ومدافعها من مدينة الحزم قبل سيطرة الحوثيين عليها بيومين” .
ما سيحدث بعدها هو أن قوات التحالف ستنسحب من مأرب على مراحل وفي الوقت نفسه سيتم محاصرة الجيش الوطني واستمرار تجويعه ومنع الأسلحة النوعية عنه ومنع الإسناد الجوي واللوجستي والفني عنه وتعطيل أي قرار يسعى لدعم قيادات الجيش الوطني في أطراف الجوف ومأرب .
بعدها سوف يتم تعيين قيادات عسكرية محسوبة على المؤتمر وإعطاءها تعليمات بأن تدخر جهدها للمرحلة القادمة وفي هذا الإطار تم تعيين اللواء صغير بن عزيز قائد لهيئة الأركان وترقيته الى رتبة فريق ومعروف أن بن عزيز مقرب جدا من طارق صالح وتربطه به علاقات قوية منذ سنوات وقد نشب خلاف قبل أكثر من عشر سنوات بين طارق وعمه الرئيس حينها علي عبد الله صالح بسبب خذلانه لصغير بن عزيز حين كان يواجه الحوثيين وبعدها كتب طارق صالح مقالا ربما هو الوحيد في حياته عن صغير بن عزيز والمقال لا يزال موجود في أرشيف مأرب برس حتى اليوم ..
وتحت لافتة ترتيب جبهة الجيش الوطني سيتم خلال الفترة القادمة تعيين قيادات عسكرية موالية لطارق في الجيش الوطني ودعمها والترويج لها .
و مع سقوط مأرب – لا قدر الله – سيكون الإصلاح قد خسر اكبر وأهم معاقله خلال هذه المرحلة وستبدأ مرحلة جديدة حينها سيتم استدعاء طارق وقيادات الجيش الوطني التي ستكون قد خضعت لعملية تبديل وتغيير كبيرة وسيتم تسليم قيادة وزارة الدفاع لطارق صالح ودعمه بقوة لتحقيق انتصارات كبيرة واستعادة مأرب والجوف والزحف نحو صنعاء وسيعود حينها أحمد علي عبد الله صالح كواجهة سياسية ويتم فرض طارق وأحمد في الشمال في إطار تسوية جديدة مع الحوثيين .
سيتم خلال هذه الفترة مواصلة التخدير الإعلامي وإطلاق التصريحات النارية والحديث المتواصل عن تعزيزات جديدة تنطلق للجوف ومأرب وعن ترتيب للصفوف وتوجيهات بدعم وإرسال أسلحة وغيرها من التناولات الإعلامية المخدرة ولا بأس من بعض ضربات الطيران من باب ذر الرماد على العيون .
هذه هو المخطط الذي يجري تنفيذه وهذا ليس تحليلا ولا هي توقعات أو استشراف للواقع بل هو مخطط من واقع معلومات مؤكدة لكن التساؤلات التي تطرح نفسها هنا : إلى مدى سينجح تنفيذ هذا المخطط على الأرض ؟!
وهل سيضع هذا المخطط نهاية للحرب في اليمن أم أن ما يحدث هو تدشين لمرحلة جديدة وبداية لحرب عبثية جديدة ؟!
وهل ستتمكن القوى الجديدة التي يعدها التحالف لمواجهة الحوثيين بعد إزاحة حزب الإصلاح من تحقيق انتصارات على الأرض أم ان سيطرة الحوثي على الجوف ومأرب ستفرض واقعا جديدة وقد تفضي لتسوية سياسية جديدة ؟!
وما مصير قيادات الشرعية التي في فنادق الرياض ؟!
كل هذه التساؤلات ستجيب عنها الأحداث في الأيام القادمة.
*نقلا عن " مأرب برس"