دون اللواء أحمد مساعد حسين شهادته حول اشتراطات اخراج جماعة الرئيس علي ناصر محمد من صنعاء عام 1990م .
وجاء تدوين اللواء مساعد ردا على أ.شفيع العبد الذي هو الآخر اثار الموضوع الذي وصف بالشائك .
فيما يلي تدوينة اللواء مساعد كما جاءت كالتالي :
الولد العزيز شفيع العبد المحترم
تحية لك مقرونة بشكر وعتب، الشكر على السؤال والتواصل، والعتب على اثارتك لموضوع شائك في هذه الظروف التي تمر بها بلادنا، والتي تتطلب التسامي ورفع المعنويات لمواجهة التحديات الراهنة، بدلاً من استجرار الماضي.
وبما أن قادتنا قد أدلوا بشهاداتهم رداً على تساؤلك، فمن باب الأخلاق والتواضع لزاماً علي الإجابة على استفسارك، وتقديم ما استطعت استذكاره، والإدلاء بشهادتي من خلال الملاحظات المختصرة التالية، بالاضافة إلى قصيدة شعرية جادت بها قريحتي سنتذاك وانا في محافظة صعدة تحكي قصتنا حينها، وقد عنونتها بـ"أنشودة الحب والتوحيد"، من منطلق أن الشعر دائماً ما يكون له بالغ الأثر في حياة الشعوب، وشعبنا قبل شعراءه، يعرف ماتعنيه الرموز الشعرية مثل الصقر والطاؤوس والهدهد ومرشد وغيرها من الرموز التي حوتها القصيدة وهي تعبر في ذلك الوقت عن الوضع العام لليمن ووضعنا الخاص. ولك مني التحية والاحترام.
لقد أطلعت على شهادة الأخ الرئيس علي ناصر محمد وشهادة الأخ محمد علي أحمد وكلها صحيحة من حيث شرحها للوضع العام، واختلافها ربما في تفاصيل ماحدث، وذلك في تقديري الشخصي يعود إلى نقطتين جوهريتين هما:
أولاً: الاعتماد في هذه الجزئية من تاريخنا على الذاكرة الشخصية وحدها، وهي التي أرهقها عامل السن - بالنسبة لنا الثلاثة- بالاضافة إلى ما يلحق بها من تعب جراء تذكر الأحداث الكبيرة والأليمة التي مرينا بها في ما أنقضى من أعمارنا وما تخلفه من هموم ومتاعب لا حصر لها.
ثانياً: مرور أكثر من 30 عام على هذه الحادثة الأليمة. لذلك استميح القراء الأعزاء العذر إذا ما وجدوا اختلاف في التفاصيل التي لا تؤثر بدورها على صحة الواقعة.
أتذكر أنه بعد الإعلان عن اتفاق عدن حول الوحدة الاندماجية، استدعانا الرئيس المرحوم علي عبدالله صالح ومما قاله لنا بأنه عند مناقشة وضع المعارضين الجنوبيين في الشمال والمعارضين الشماليين في الجنوب طرح مقترح بأن كل شطر يرتب وضع المعارضين عنده في إطار حصته الـ 50% ، إلا أن قيادة الحزب الإشتراكي رفضت ترتيب وضع أي شخص من المحسوبين على الزمرة مطلقاً. وأنه يمكن لها النظر في ترتيب وضع بعض الشخصيات الجنوبية المعارضة ما قبل يناير 1986م.
وأضاف صالح بأنه قال لقيادة الحزب الإشتراكي بالنسبة لنا في الشمال ليس لدينا أي تحفظ على أي معارض شمالي ترون ترتيب وضعه في أي منصب على حصتكم. وهكذا تمت الصفقة التي كانت نتيجتها اقصاء تيار جنوبي واسع حتى من المشاركة في احتفالات الوحدة وليس من المناصب فحسب.
بالنسبة للأخ الرئيس علي ناصر محمد فقد تحدثوا عن موضوع مغادرته صنعاء بصورة ثنائية لم نكن حاضرين فيها، أقصد لقاء بينه والرئيس صالح، وهذا ما بلغنا فيما بعد.
أما نحن محمد علي أحمد وعبدالله علي عليوه وعبدربه منصورهادي واحمد عبدالله الحسني وانا، فقد جلس معنا الرئيس علي عبدالله صالح رحمه الله بعد مغادرة علي ناصر محمد، وقال لنا بأنه يرى بأن يرتب وضعنا في السفارات اليمنية، على أساس محمد علي أحمد وانا سيتم تعييننا سفراء في دولتين من الدول الكبرى، وبالنسبة لعبدالله علي عليوه وعبدربه منصور هادي واحمد عبدالله الحسني سيعينهم ملحقين عسكريين في سفاراتنا لدى موسوكو و واشنطن ولندن على التوالي.
طبعاً رد عليه الجميع بالرفض، وقلنا بصوت واحد يكفي أنكم طردتم علي ناصر محمد الذي تمت في عهده صياغة دستور دولة الوحدة، وهو الذي أوقف الحرب في المناطق الوسطى بعد سنوات من القتال وسفك الدماء وساعدكم في تهدئة الأوضاع في الشطر الشمالي وبناء معكم علاقات استراتيجية سبقت الوحدة بسنوات كحسن نية تبدأ بالتنقل بين الشطرين بالبطاقة وغيرها من الانجازات على طريق التمهيد لتحقيق الوحدة.
رد علينا صالح، بأنه لم يطرد علي ناصر وإنما رتب أموره وأسرته حتى تهدأ النفوس وانه سيعود إلى صنعاء، وقال أما انتم لاتفهمون شيء في السياسة ولكن ساعدونا في تحقيق الوحدة.
وكان ردنا له هذه المرة بانه يكفي خروجنا من عدن ولن نخرج مرة أخرى خارج حدود اليمن.
وبالنسبة للقاء الذي ذكره الأخ محمد علي أحمد لم أحضره، وليس لي علم بالذي دار فيه.
بعد ذلك استدعانا الأخ علي محسن الأحمر، وقال لنا أن الأخ علي سالم البيض وقيادة الحزب رافضين يدخلون صنعاء وأنتم موجودين فيها. وسألناه ما المطلوب منا؟ قال تغادرون صنعاء إلى أي محافظة تختارونها من محافظات مأرب وصعدة وحجة والحديدة وتعز واب، و القصور الرئاسية فيها مفتوحة لكم واستضافتكم على نفقة المحافظين كاملة.
بدوري قلت له نحن جاهزين للتنفيذ في سبيل اتمام عملية الوحدة التي هي هدف لنا منذ استقلال الشطر الجنوبي وبناء دولته. هنا تدخل الأخ محمد علي أحمد وقال لي من فوضك توافق؟ وقلت له أنا شخصياً ذاهب ومن يريد معي إلى صعده.
وفعلاً غادرنا صنعاء إلى صعدة نزولاً عند رغبة قيادة الحزب، وكان معي العم عبدالله علي عليوه والشهيد البطل العم سالم علي قطن، وآخرين لم تسعفني الذاكرة لحصر اسمائهم.
بالنسبة لبقية الأخوة توزعوا على المحافظات فالأخ عبدربه منصور هادي غادر إلى حجة، والأخ احمد عبدالله الحسني غادر إلى الحديدة، أما الأخ محمد علي أحمد فقد عاد إلى بيته وغلّق على نفسه وقطع الاتصالات كما أخبرنا عند عودتنا إلى صنعاء بعد حوالي 15 يوم.
قيادة محافظة صعدة استقبلونا بحفاوة، محافظها الأخ محمد جار الله والوكيل يحيى الشائف ومدير الأمن محمد طُريق رعاهم الله وأدام عليهم الصحة.وظلينا في ضيافتهم لأكثر من أسبوع، وكانوا يتبارون في اكرامنا والاهتمام بنا بصدق ومحبة. وكل واحد منهم يريدنا أن ننزل ضيوف عليه في منطقته، ولكل منهم أحقيته علينا، فبني حشيش الأقرب إلى صنعاء والشائف يقول بأنه الأحق لأننا من اصول دهمية، وطُريق هم الأقرب لنا مكانا وزمانا بني مذحج.
شكرناهم على حسن الضيافة والكرم وغادرناهم صوب حجة ثم الحديدة ثم تعز واب، وكل محطة كانت في قصور الرئاسة وعلى نفقة المحافظين، وكانوا وانعم في كرمهم ومودتهم. ثم عدنا إلى صنعاء بنفس الطريق.
عزيزي شفيع : ليس المهم اشتراط خروجنا من صنعاء، بل هناك ماهو أهم منه واخطر ودليل لا يقبل الشك على أن ماحدث توجه رسمي لقيادة الحزب، والمتمثل في اشتراطهم بأن الألوية التابعة لنا أي (الزمرة) لا يتم ضمها إلى القوات المسلحة، وتبقى تحت تصنيف الفئة (ب) كما كانت قبل الوحدة، وهو ما انعكس على منتسبيها الذين ظلوا محرومين من أي امتيازات أو استحقاق وظيفي. بل أن كل المحسوبين على الزمرة من عسكريين وأمنيين ومدنيين ظلوا محرومين من كل الامتيازات الوظيفية التي حصل عليها طرفي الوحدة. ليس هذا فحسب بل أن أسر شهداء 86 المحسوبين على الزمرة ايضاً طالهم الحرمان من كل الاستحقاقات القانونية.
إزاء هذه المعاملة المهينة وما خلفته في نفوسنا و واقعنا الوظيفي والسياسي والاجتماعي كان ردنا في 1994 في غاية الأهمية ووقوفنا إلى جانب الجيش في شمال الوطن، حيث كنا في الصفوف الأولى للمقاتلين، بل قادة للمعارك في المناطق الجنوبية والشرقية دفاعاً عن الوحدة، وكان أبناء الجنوب في الأغلب بما يمثل 90% من السكان مع الوحدة، لأنهم استفادوا منها مادياً ومعنوياً، قبل ان تهجم عليهم عصابات المتنفذين والناهبين.
هذين العاملين أدّيا بدورهما إلى هزيمة قيادة الإشتراكي وجيشها بسرعة كبيرة بالمقارنة مع الامكانيات المادية المدعومة بها من دول الجوار وتضاريس الجنوب الجغرافية ومساحتها المترامية الأطراف.
وفي آخر شهادتي هذه أنصح الجنوبيين بشكل عام، بالاعتراف ببعضهم البعض على قاعدة التعايش والقبول بالتنوع، وتطبيق قيم التصالح والتسامح على أرض الواقع وليس في الشعارات والخطابات، وهذا يتطلب شجاعة أدبية واخلاقية ووطنية توجب كبت العواطف المناطقية والعصبوية والانفتاح والتعايش مع الجميع، ودون هذا سنظل ننتقل من السيء الذي نعترف به إلى الأسوأ لا سمح الله. والله يكون في عون الجميع.