منحت عدد من دول الخليج جنسياتها لفنانين يمنين، بحسب ما يتفق وقوانينها، صرح البعض بإمتلاكه لها كإضافة إلى جنسيته اليمنية، فيما آخرين اعتبروها جنسيتهم الرسمية، متناسين أصولهم اليمنية. وأن كانت الشهرة تخلق عالماً جديدا للفنان، وتكسبه اسماً –غالباً- غير الأسم الذي اختاره له والديه، وتستطيع أيضاً أن تغير في ملامح الكثيرين، لكنها تتخطى الحدود حينما تغير جنسيته وتلغي أصله الحقيقي. فالأمر حينها يلتبس على جمهور الفنان، ودوما ً ينقسم هؤلاء بين من يؤكد ويكذب ما يقال عن أصل هذا أو تلك، ليبقى الفنان هو الوحيد القادرعلى إنهاء الجدل، لكن بعضهم يفضل الصمت،
فالتشكيك في أصله أمر لا يستفزه. وعلى سبيل المثال يفاخر الفنان الكبير أبو بكر سالم بلفقيه بأصله اليمني، وأن كان يقيم منذ شبابه خارج اليمن ولم يزرها إلى في مناسبات قليلة للغاية، فمنحه الجنسية السعودية لم يدفعه إلى التبرء من يمنيته وظل على الدوام في بداياته يذكر أنه يمني من حضرموت. بجانب تشكيله على مدى أعوام طوال ثنائي فريد مع الشاعر اليمني الراحل حسين أبو بكر المحضار، وغنائه الألوان الغنائية اليمنية جميعها طيلة مسيرته الفنية، والتي تضمنت تقديم عددا من الأغاني الوطنية لبلده. غير أن المفارقة تتمثل في تعريف الفنان أصيل أبو بكر وهو نجل أبو بكر سالم بأنه مغني سعودي،
فالفنان والملحن الذي اكتسب شهرة كبيرة وأن كان ولد في الرياض وتربى فيها، لم يصرح مطلقاً بأن يمني، وربما يعود صمته عن تعريفه بأنه فنان سعودي إلى معرفة الجماهير بأنه من أب يمني بالطبع. ولا مقارنة غير أنه وفي حالة مماثلة يفاخر الموسيقار الكبير أحمد فتحي بأصوله اليمنية، ويظهر على الدوام في الفعاليات اليمنية داخل وخارج اليمن، كما لا تتوانى ابنته الفنانة بلقيس فتحي في التأكيد على جنسيتها اليمنية. ونشرت غير مرة مقاطع فيديو تؤكد فيها بأنها يمنية وتفتخر بكونها يمنية، وتحدثت بفخر أيضاً عن امتلاكها الجنسية الإماراتية، وتتمتع بحقوق المواطنه بناء على ذلك، وذكرت بأنها من أم أماراتية، غير أن والدها وكما هو معروف يمني وهو الموسيقار أحمد فتحي.
نذكر هنا أيضاً الفنانة أروى والتي تقيم في القاهرة منذ صباها هي الأخرى أمها ليست يمنية، بل مصرية ومنحت أروى الجنسية المصرية بناء على ذلك ، لكنها لم تنكر في أي يوم من الايام أنها يمنية بل فاخرت دوماً بأصولها الحضرمية.ورغم أنها غيرت اسمها الحقيقي وهو إيمان سالم باعميران، وأصبح أسمها الفني هو أروى، نلاحظ أنها اختارت اسماً يمنياً بإمتياز، فأروى هو اسم للملكة أروى بنت أحمد الصليحي ملكة الدولة الصليحية في اليمن وهي أول ملكة في الإسلام وتلقب بالسيدة الحرة وغلبت هذه الصفة على اسمها في كتب التاريخ.
تغيير الأسماء هنا لم يدفع أروى لتغيير جنسيتها، غير أن فنانين آخرين لم يغيروا أسمائهم واحتفظوا بأسماء ميلادهم كما هي إلا أن تغيير هيائتهم – أقصد المظهر الخارجي- وارتدائهم للأزياء الوطنية الخاصة بالدول التي يقيمون فيها، جعل جمهورهم في حيرة عندما يجري الحديث عن أصولهم. من هؤلاء الفنان الكبير عبدالرب أدريس والذي يحمل الجنسية السعودية، فطالما ظهر في الإعلام وفي حفلاته وهو يرتدي الزي السعودي "الغترة أو الشماغ يعلوه العقال، مع الثوب" وطالما غنى باللهجة الخليجية. ورغم أن جميع المصادر تتفق على أن أدريس وهو صاحب باع كبير في الفن وموسيقار ذائع الصيت، من أصل يمني فوالده حضرمي ووالدته صومالية الجنسية، إلا أنه لم يحدث أن أقر أدريس بذلك، وتتناقل عدة مواقع تنصله من أسئلة حول أصوله اليمنية.
ولا يعلم حتى اليوم لماذا يبتعد أدريس عن التأكيد على أصله اليمني، ويكتفي بقول أنه سعودي ومن مواليد مكة المكرمة، رغم أنه ولد في حضرموت ولم يغادر اليمن وهو فنان شاب مشهور ومعروف في حضرموت وعدن أواخر ستينيات القرن المنصرم، بل أن حصوله على الدكتوراه كان بناء على أطروحه قدمها في الغناء الصنعاني. وهناك اسم كبير في عالم الفن، بل هو الملقب بفنان العرب وهو الفنان الكبير محمد عبده، هو الآخر يثار اللغط حول أصوله اليمنية لجهة أن والدته من بنات المرواعة التابعة لمنطقة تهامة بمحافظة الحديدة، فيما لم تؤكد أي مصادر جنسية والده، وأن ذكرت بعضها أن والده تعود أصوله إلى أسرة الدواسر وهي من مأرب لكنهم استقروا منذ القدم في السعودية.
وربما تكون وفاة والده المبكرة حين كان عبده في الثالثة من عمره هي التي ساهمت في عدم وضوح أصله اليمني، بخاصة وأنه نشأ وتربي في جده منذ نعومة أظافره، وحمل الجنسية السعودية في وقت مبكر. غير أن أكثر وقت أثيرت فيه الشكوك حول أصول عبده اليمنية ترافق وبداية الحرب التي تشهدها اليمن مؤخراً، وتناقلت عديد مصادر أنه تواجد على الحدود السعودية اليمنية لاستقبال أفراد من أسرته وأقاربه حين كانت المنافذ البريه هي الوحيدة المتاحة لمن أراد المغادرة. محمد عبده لم يصرح أو ينفي للإعلام أن أصله يمني، لكن التعريف الذي يلصق بإسمه مبهم فهو يعرف بأنه فنان سعودي من أصول يمنية،
وهكذا يكون محبيه في حيرة فيما يتعلق بأصله. ينضم لقائمة الكبار الذين يحملون الجنسية اليمنية الراحل الفنان الكبير طلال مداح والذي تتشابه طفولته مع محمد عبده، فهو نشأ يتيماً أيضاً بعد وفاة والده، وعاش وتربي في مدينة جدة، كما حمل الجنسية السعودية بحكم مولده هناك. غير أن أصوله تعود لأسرة باجابر وهي أسرة حضرمية واسمه الحقيقي هو طلال محمد الجابر، وأن اكن حافظ على وصله بأهله في زيارة خارج الفن والأضواء إلا أنه لم يكن يحب الحديث إعلامياً وفنياً عن يمنيته وعن أصوله اليمنية وطالما قدم نفسه كفنان سعودي، وربما يعود ذلك لتقديره للبلد الذي احضنته منذ بداياته الفنية.
وتطول قائمة المشاهير التي تعود أصولهم إلى اليمن فيما عرفوا إعلامياً أو قدموا أنفسهم للجمهور بجنسيات أخرى ومنهم سالم بامدهف، والذي يعتبر من مؤسسي الأغنية اليمنية الحديثة، والمتواجد في الإمارات دون أن يمنح الجنسية، لكنه يعرف في الإعلام بأنه إماراتي، وأن كان غاب عن الساحة الفنية منذ نهاية ثمانينات القرن الماضي. عملاق آخر من عمالقة الفن وهو فرسان خليفة ويعتبر من رواد الأغنية الوطنية اليمنية وقدم الكثير من الألحان لمطربين عرب ومصريين بالتحديد خلال فترتي الخمسينيات والستينيات ليتوجه في منتصف السبعينات ويستقر به المقام في الإمارات ويعمل في دائرة الهجرة والجوازات هناك تاركاً الفن ولا يزال وأسرته يقيمون هناك حتى اليوم ويزور موطنه الأصلي بين الفينة والأخرى وهو لا يحمل الجنسية الإماراتية حتى الآن.
وأن كان المذكورين أعلاه من جيل الكبار، فهناك جيل أحدث منهم ساروا على ركبهم فيما يخص عدم تعريفهم لأنفسهم أو إعلامياً بأنهم ذوو أصول يمنية، ومنهم الفنان عبدالمجيد عبدالله، وهو من أبناء محافظة حجة، لكنه ولإغتراب والده في السعودية ولد هناك وحمل الجنسية، ولم يزر اليمن. وتضم قائمة الجيل الأحدث الفنان الشاب عباس إبراهيم وهو من محافظة ريمه تألق في السنوات الأخيرة وتميز بصوت وإمكانيات متفردة، لكنه يقدم إعلامياً كمطرب سعودي.
ونذكر أيضاً نجوم يمنية لمعت في سماء الأغنية الخليجية وقدموا بحسب مكان إقامتهم ومنهم عيضة المنهالي وهو من حضرموت، وهود العيدروس الذي لمع نجمه في تسعنيات القرن الماضي من حضرموت أيضاً. وينضم إلى هذا الركب النجم عبدالمنعم العامري والذي اختفى حالياً بعد أن ظل منذ منتصف التسعينيات وحتى الألفية الجديدة نجماً يقدم للإعلام على أساس أنه إماراتي فيما هو من أبناء حضرموت، ويقيم في الامارات منذ طفولته وحاصل على الجنسية الاماراتية التي يدين لها بكل الحب والتقدير وبما وصل إليه من النجومية والشهرة ولا ينسى وطنه الأصل أيضاً.
علي بن محمد هو الآخر قدم كأشهر فناني الإمارات، رغم أنه ولد وتربى في مدينة المكلا وأنتقل إلى الامارات شاباً يبحث عن الشهرة والفن والرزق، فكان له ما كان وحصل على الجنسية الاماراتية بعد سنوات وحقق الشهرة والنجاح الفني ويُعتبر حالياً من أشهر الفنانين في الخليج العربي وليس في الامارات وحسب. قائمة الفنانين الذين اشتهروا حديثاً ولنقل خلال العقدين الأخيرين وعرفوا بغير جنسيتهم اليمنية تطول وما يزال ينضم لركبها آخرين ربما يكشفون في قادم الأيام عن هذه الحقيقة، كما فعل كلأ من التونسي صابر الرباعي والذي كشف في لقاء تلفزيوني قبل ما يزيد عن ثلاثة أعوام أن جذوره تعود لعائلة بارباع الحضرمية.
وتبعته في ذلك المغربية أسماء لمنور التي أقرت بأصولها اليمنية في لقاء لها نشرته صحيفة الثورة اليمنية منذ أعوام لدى زيارتها اليمن في بداياتها وغنائها مع الفنان الكبير أبو بكر سالم والفنان الكبير كرامة مرسال في أحد الاحتفالات بالأعياد الوطنية لليمن، وقالت في اللقاء أن قبال البربر المغربية التي يعود أصلها لها هي قبائل يمنية. وختاماً٬ فإن تجاهل بعض المشاهير للتفاخر بأصولهم اليمنية٬ أو نك ارنهم لها من الأساس٬ لن ينسي جمهورهم أنهم يمنيين٬ غير أن ذلك سيظل كالنقطة السوداء في ملفاتهم٬ بالمقابل يكتسب من يفاخرون بإنتمائهم لليمن وهي مهد الحضا ارت٬ مكانة أعلى في قلوب محبيهم ومصداقية أكبر في مشو ارهم الفني.