وبما أن الحرس الثوري له مساهمة فعالة وملحوظة في كافة القطاعات الاقتصادية الإيرانية فإن وضعه في قائمة الإرهاب من قبل إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب في 9 أبريل، قبل أسبوعين من الاحتفال بمرور 40 عاما على تأسيسه، يثير تساؤلات عدة بشأن تداعيات القرار الأميركي على الاقتصاد الإيراني وحجم الأنشطة الاقتصادية للحرس الثوري.
حصة الحرس الثوري من الاقتصاد الإيراني
في عام 1989 وفي أعقاب وفاة المرشد المؤسس للنظام روح الله الخميني واختيار علي خامنئي مرشداً جديداً للنظام وانتخاب هاشمي رفسنجاني رئيسا للجمهورية تراجع النفوذ السياسي للحرس إلا أن أبواب السلطة الاقتصادية فتحت على مصراعيها بمفتاح المادة 147 من الدستور الإيراني ونصها: "على الحكومة في زمن السلم أن تستفيد من أفراد الجيش وتجهيزاته الفنية في أعمال الإغاثة والتعليم والإنتاج، وجهاد البناء، مع مراعاة موازين العدالة الإسلامية بشكل كامل وبما لا يضر بالجهوزية العسكرية للجيش".
وجاء عام 1990 ليؤسس الحرس الثوري "مقر خاتم الأنبياء لإعادة البناء" وأخذ المقر على عاتقه مسؤولية إدارة الأنشطة الاقتصادية للحرس الثوري.
وخلال فترة رئاسة هاشمي رفسنجاني استفاد الحرس الثوري من الهدوء بعد الحرب ومن فرص إعادة البناء ليوسع أنشطته الاقتصادية إلى أن ظهرت الحركة الإصلاحية والتي تمثلت في انتخاب محمد خاتمي رئيسا للجمهورية (1997-2005)، وكان الحرس الثوري ضد هذه الحركة خاصة وأن الحرس الثوري بات حينها يسيطر على ثلث الاستيرادات الإيرانية من خلال إنشاء 60 مرسى على شواطئ الخليج العربي وبحر عمان و10 مطارات ومن ضمنها مطار "بيام" بالقرب من العاصمة طهران بعد أن استلمها من وزارة البرق والبريد والهاتف.
وزراء في الحكومات الإيرانية خدموا الحرس الثوري
وبما أن عددا من وزراء ومستشاري الحكومات الإيرانية المتعاقبة كانوا ولا يزالوا من أعضاء الحرس الثوري، يلعب هؤلاء الوزراء والمستشارين دور الدعم للمؤسسة الاقتصادية للحرس الثوري أي "مقر خاتم الأنبياء"، وبدعم خفي، ومن خلف الكواليس من هؤلاء الوزراء والمسؤولين في الحكومات، حصل "مقر خاتم الأنبياء" على صفقات وعقود دون المشاركة في المناقصات أو المزايدات وحتى لو شارك فيها خرج منها فائزا على منافسيه بغض النظر عن الكفاءات في تنفيذ المشاريع.
على سبيل المثال لا الحصر، كان محمود أحمدي نجاد عمدة العاصمة طهران (2003-2005) قبل أن يصبح رئيسا للجمهورية وحينها استحوذ الحرس الثوري على صفقة مع بلدية طهران في مجال بناء الأنفاق ومد الطرق السريعة بمبلغ 2.2 مليار دولار وفي عام 2005 بعد هزيمة الإصلاحيين بفعل الحرس الثوري وفوز محمود أحمدي نجاد في الانتخابات الرئاسية أما منافسه العملاق علي أكبر هاشمي رفسنجاني بدأ ربيع النمو المضطرد للأنشطة الاقتصادية للحرس الثوري.
المجالات التي ينشط فيها الحرس الثوري
ينشط الحرس الثوري من خلال المؤسسات التعاونية والمقرات التابعة له ليسيطر من خلالها على أنشطة اقتصادية في مجال صناعات النفط والغاز والمناجم والتجارة الخارجية والسكن والصناعات التحويلية والزراعة والنقل البري والنقل البحري وصناعة السيارات والبنوك.
ومقر خاتم الأنبياء يشكل المظلة الواسعة لآلاف الشركات والمؤسسات والمصانع التابعة للحرس الثوري، وتفيد بعض المصادر أنها تبلغ حوالي 5 آلاف شركة، ويعمل في المقرات حوالي 200 ألف قوة عاملة رسمية وغير رسمية وفي المؤسسات والمصانع والحقول التابعة لها حوالي مليون شخص.
وحسب تقرير لـ"بي بي سي الفارسي" فإن أنشطة مقر خاتم الأنبياء في إطار "التعبئة للبناء" أو "باسيج البناء" تضم 145 ألف وحدة إنتاجية في 13 مجالا وهناك 134 ألف معمل ومشغل أسري تحت مظلة ما يسمى بالاقتصاد المقاوم.
ويقود الاقتصاد المقاوم الجنرال قاسم رستمي الذي ذكر اسمه من قبل "فورين بوليسي" في عام 2013، ضمن 500 شخصية قوية في العالم بصفته وزير النفط الإيراني في حكومة محمود أحمدي نجاد وكان قبل ذلك، أضيف اسمه إلى قائمة العقوبات لمجلس الأمن بصفته رئيساً لمقر خاتم الأنبياء التابع للحرس الثوري، وإلى القائمة السوداء للولايات المتحدة وأوروبا وأستراليا.
وإلى جانب امتلاكه مطارات ومراسي خاصة، لمقر خاتم الأنبياء وشركات لنقل الركاب بالحافلات بين المدن وفي المدن، وبلغ عدد الحافلات 750 حافلة إلى جانب شركة غدير للقطارات الفاخرة.
وللحرس الثوري من خلال تعاونياته ومقر خاتم الأنبياء سلسلة متاجر تعد الأضخم في إيران توزع السلع والبضائع والمواد الغذائية، حيث تبلغ المتاجر التابعة لتعاونية الباسيج حوالي 300 متجر.
كما أن الأنشطة الاستثمارية في بورصة طهران وملكية الشركات والممتلكات السكنية وتعاونيات الإسكان ليست سوى جزء من أنشطة الحرس الثوري الاقتصادية الأخرى.
الحرس الثوري من الصواريخ إلى الطرق السريعة
وذكر موقع ميرحسين موسوي الذي يعيش الإقامة الجبرية منذ 2011، وهو زعيم المعارضة الإصلاحية الذي رشح نفسه للانتخابات الرئاسية المثيرة للجدل لعام 2009، وهو أيضا آخر رئيس وزراء خلال الحرب العراقية الإيرانية قبل إلغاء هذا المنصب في إيران، أن 800 شركة للحرس الثوري تحمل ضمن مقر خاتم الأنبياء تعمل في مختلف المجالات الاقتصادية، ولكن الملفت إشارة الموقع إلى الأنشطة العسكرية خاصة في مجال التصنيع العسكري في مجال صناعة الصواريخ والطوربيدات.
كما يذكر أن الحرس الثوري ومن خلال مقره الاقتصادي ينشط في مجال مد الطرق السريعة وبناء السدود واستخراج المعادن، والري ومد الأنابيب.
وعلى سبيل المثال لا الحصر، وفي مجال النفط والغاز، استحوذ الحرس الثوري في صيف 2009 على مشروع لمد أنابيب للنفط بطول 600 كلم من إيران إلى الهند بمبلغ 2.2 مليار دولار، وفي نفس العام قام تحالف شركات "توسعة اعتماد مبين" التابعة للحرس الثوري بشراء ما يزيد عن نصف حصص شركة الاتصالات الإيرانية بقيمة 8 مليارات دولار دون المشاركة في أي مزاد.
وفي مجال الأنشطة المالية هناك صناديق الدعم التابعة للحرس الثوري والباسيج التي تعمل كالبنوك، وفي خريف 2011 حصل الحرس الثوري على صفقة لمد سكك حديد إلى ميناء جابهار على بحر عمان بقيمة 2.5 مليار دولار.
هذه نماذج عابرة لأنشطة الحرس الثوري في المجال الاقتصادي والتي حولت أهم مؤسسة عسكرية أمنية في البلاد إلى أهم مقاول ومنافس لاقتصاد الدولة مما أثار غضب رؤساء الجمهورية في إيران نظراً لاستيائهم من الاقتصاد الموازي الذي يحمل البندقية ويلوح بها متى ما شاء.
ما تأثير تصنيف حراس الثورة كإرهابيين على الاقتصاد الإيراني؟
فقد خضعت الأنشطة الاقتصادية الرئيسية للحرس الثوري الإيراني إلى العقوبات منذ زمن طويل وتأثر مقر خاتم الأنبياء بتلك العقوبات ولكن تداعيات التصنيف الجديد للحرس الثوري برمته بحاجة إلى النظر فيه بعناية فائقة لأن قرار البيت الأبيض سوف يشكل عاملاً ضاغطاً على كافة المجالات الاقتصادية التي ينشط فيها الحرس الثوري وسوف تتأثر شبكة واسعة من المقاولين والعاملين.
ومن المتوقع أن تنشر الولايات المتحدة الأميركية بين الحين والآخر قائمة تضم شركات وأشخاص وخبراء بسبب دعمهم للإرهاب نتيجة لتعاملهم مع الحرس الثوري وستدفع الشركات التي تعد على أقل تقدير بضعة آلاف وتعمل بشكل مباشر أو غير مباشر تحت مظلة مقر خاتم الأنبياء ثمنا باهظا لهذا التعامل حيث تلجأ إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى القوانين الأميركية لمعاقبة شركات ومؤسسات تابعة لأطراف ثالثة في آسيا وأوروبا وأميركا اللاتينية بسبب تعاملها مع شركات تابعة للحرس الثوري مما يفرض على هذه الشركات أن تتوخى الحذر في أي تعامل مع إيران ككل خوفا من أن يكون طرف التعامل على الجانب الإيراني مرتبط بشركات تابعة للحرس الثوري.
وعلى ضوء تصنيف الحرس الثوري كمنظمة إرهابية ستكثف الولايات المتحدة الأميركية رصد ومراقبة علاقات دول الجوار الاقتصادية مع إيران الأمر الذي سيؤثر بالتأكيد على علاقات إيران مع جوارها خاصة العراق وتركيا وبهذا تصبح يد الولايات المتحدة مفتوحة لمصادرة أموال بتهمة الارتباط بالإرهاب.
ومن المتوقع أن يتراجع التبادل التجاري الإيراني مع دول الجوار، حيث يصبح على الطرف الإيراني أن يثبت للطرف الأجنبي عدم صلته بالحرس الثوري والشركات التابعة له.
وداخليا من المرجح أن تنمو شركات تابعة للحكومة والتي طالما كانت تتذمر دائما من منافسة غير متكافئة بينها وبين شركات الحرس الثوري فحتى لو كابر الرئيس روحاني وتوعد الولايات المتحدة بالويل والثبور، وهددها بالأسلحة الفتاكة التي لا تخطر على بالها، إلا أن واشنطن عرقلت بقرارها الأخير "الشركات المسلحة" حسب توصيف روحاني نفسه للمؤسسات الاقتصادية للحرس الثوري التي تدير الاقتصاد الموازي لاقتصاد الدولة.