في كلمة تحية وشكر وعرفان .
حيا رئيس مجلس الشورى الدكتور أحمد عبيد بن دغر رئيس البرلمان العربي عادل عبدالرحمن العسومي وكل الزملاء في البرلمان العربي وكذلك شكر جمهورية مصر العربية على حسن الاستقبال وقال :
بسم الله الرحمن الرحيم
معالي الأخ العزيز عادل عبدالرحمن العسومي، رئيس البرلمان العربي
أصحاب المعالي الإخوة رؤساء وممثلي مجالس النواب والشورى العرب
الإخوة والأخوات الحاضرون جميعًا.
أحييكم أيها الزملاء الأعزاء باسمي ونيابة عن زميلي الشيخ سلطان سعيد البركاني رئيس مجلس النواب اليمني، وزملائي في مجلسي النواب والشورى ونحن نشارككم أعمال المؤتمر العام السادس للبرلمان العربي.
ناقلًا إليكم تحيات القيادة السياسية في بلادي ممثلة في مجلس القيادة الرئاسي، ورئيسه فخامة الأخ الرئيس د. رشاد محمد العليمي، متمنيًا لكم التوفيق دائمًا وأنتم تخوضون غمار تجربة برلمانية عربية تشق طريقها للأمام وتأبى التوقف رغم كل التعقيدات والصعوبات والتناقضات في الحالة العربية، بل وهي إنعكاس لها، وللنظام العربي في كليته.
وبداية أهني صديقنا العزير معالي رئيس البرلمان الأستاذ عادل بن عبدالرحمن العسومي وزملائه في الأمانة العامة للبرلمان العربي على جهودهم الموفقة في نجاح التحضير للمؤتمر العام السادس للبرلمان العربي، وكذا محاولاتهم المثابرة للم شمل البرلمانيين العرب نحو توحيد المواقف العربية إزاء قضايا الحاضر المضطرب ، والمستقبل الغامض . معربًا عن تقديري لاختيارهم موضوع دورة البرلمان العربي وأعني به "الرؤية البرلمانية العربية لتحقيق التوظيف الآمن للذكاء الاصطناعي".
كما أوجه الشكر لأشقائنا في مصر وقد اتسعت صدورهم وبلادهم لاستقبالنا جميعًا كما نحن، وكان ذلك دأبهم في كل وقت وحين منذ عرف النظام العربي لبناته الأولى في التكوُّن على أرض الكنانة وبرلماننا أحد مكوناته، الشكر على وجه الخصوص لقائد نهضة مصر الحديثة، وملهم شعبها فخامة الرئيس عبدالفتاح السيسي، والشكر موصول للحكومة المصرية والشعب المصري الشقيق. إنها أيضًا فرصة سانحة للتهنئة بذكرى إتفاقية الجلاء من سيناء.
وبالعودة إلى موضوعنا الذكاء الاصطناعي واستخداماته وتوظيفاته، التقنية الحديثة في مسار العلم والحضارة المعاصرة، التي ينظر الجميع إليه باعتباره علم المستقبل ووسيلته، فقد انشغل العالم في العقدين الأخيرين وعلى نحو مضطرد بهذه التقنية الجديدة، ورصدت لسبر غورها بحوثًا ودراسات وأموال كثيرة، وكالعادة استحوذت الدول المتقدمة على قصب السبق في هذا المجال، وبدا لنا العالم منقسمًا من جديد بين متقدم ومتأخر، قياسًا إلى موقعه من هذا التطور العلمي المذهل.
يحاول العالم العربي الوصول إلى دائرة المعرفة وامتلاك الخبرة بهذه التقنية، التي تبدو منافعها جمة، وتحدياتها وتهديداتها كثيرة، من بينها التأثير السلبي على سوق العمل والأمان الوظيفي، واحتمالات تأثيرها على بعض حقوق الإنسان الأساسية، والأخطر من ذلك ما يثيره هذا التطور في هذا المجال الحديث نسبيًا من إشكاليات أخلاقية، أو ما قد يتيحه هذا التطور التقني من استخدامات تساعد قوى الارهاب في المجتمعات. أنني هنا أشيد بالتجارب المبكرة للدول العربية في هذا المجال التي أشارت إليها الرؤية موضوع مؤتمرنا.
لكنني أيها الزملاء الأعزاء رغم أهمية الموضوع وجاذبية الحديث فيه، سأستغل ما أتيح لي من زمن للحديث عن الحالة اليمنية، حيث تحتل معادلة الحرب والسلام الأهمية القصوى لدى المواطن اليمني، ليست باعتبارها إشكالية محلية فحسب، بل هي في الواقع إشكالية إقليمية، ودولية، وتغطي أحداثها مساحة من الاهتمام العالمي. وخاصة بعد قيام الحوثيين منذ نوفمبر الماضي بالهجوم الصبياني على السفن التجارية، وتعطيل الملاحة البحرية جزئيًا في باب المندب والبحرين الأحمر والعربي وخليج عدن. ذلك أنه لا يوجد في اليمن من يقف موقفًا سلبيًا من القضية الفلسطينية. لكن أفعالهم تلك لم تكن قراراً يمنياً، كما أنه غير حصيفاً، في ظروف اليمن الملموسه .
أصحاب المعالي
لقد نقل هذا التطور الأزمة اليمنية إلى طور جديد، وعرَّض اليمن إلى مخاطر كبيرة، تهدد وجوده كدولة، ووحدته كمجتمع. يمكننا أن نرى بوضوح أسبابًا داخلية لهذا الفعل المتهور الذي تضاءل مع الأيام وكلف اليمن الكثير، وأسبابًا أخرى خارجية لا ترتبط باليمن بقدر ما ترتبط بالأهداف الإقليمية التوسعية لإيران.
أما على مستوى الداخل فإن دافع الحوثيين الأول كان قد استهدف إحتواء حالة الرفض الشعبي المتزايدة في مناطق سيطرتهم، كانت هناك بوادر ثورة تتخلق في صنعاء ومعظم المدن اليمنية التي سيطروا عليها، رفضًا لسياسة الحق الإلهي في الحكم، ومقتًا لكل تفكير عنصري ولو حمل مسحة مذهبية، محملاً فوق كمًا هائلاً من الظلم. لقد أدرك الحوثيون هذا التحول في وعي اليمنيين، فذهبوا لهذه المغامرة استثمارًا للمشاعر القومية المتأججة لدى الشعب اليمني بطبيعته وثقافته وتاريخه وموقعه من هموم الأمة وطموحاتها.
كما أدركته إيران التي حفَّخزت الحوثيين للقيام بالمغامرة، فكان لابد من منقذ يمنع الحوثيين من السقوط، ولم يكن هناك أفضل من تقمص الحرب في غزة، وادعاء القتال مع الفلسطينيين، فالقضية الفلسطينية تحتل مركز الصدارة في وجدان اليمنيين وكل العرب، وهي في نظر اليمنيين كانت ولاتزال قضية مقدسة، ويمكنه أن يتحمل الكثير في سبيلها، وقد كسب الحوثيين مؤقتًا (نعم مؤقتاً) بعض التعاطف الشعبي.
سنحتاج إلى بعض الوقت لندرك حجم الضرر الذي ألحقته الأعمال المتهورة للحوثيين بالسيادة اليمنية التي ينقلها الحوثيين من عهدة اليمنيين إلى عهدة الإيرانيين، وبالأضرار التي يلحقها الحوثيون بالاقتصاد والأمن القومي العربي، وعلى الأقل هناك علاقة جدلية بين قناة السويس وباب المندب. لقد استدعى الحوثيون الأساطيل العالمية من الغرب ومن الشرق لتجاور مياهنا الإقليمية، فاحاطت ببلدنا كإحاطة السوار بالمعصم، وذلك حدث جلل لم يحصل في أي مرحلة في تاريخنا. بالأضافة إلى نزوح أربعة ملايين يمني من مناطق سيطرتهم.
لقد وُضِعت جُزرنا تحت رحمة هذه الأساطيل، وكثرت حولها المطامع، بما في ذلك مطامع إسرائيلية، كما أهدرت بعض ثرواتنا أو تعرضت للنهب فضاعف ذلك من مأساة شعبنا. فإذا بحثتم عن حقيقة الأسباب والدوافع لما يحدث هناك فلن تجدوا سوى إيران وأهداف إيران، ومعادلات صراعاتها في المنطقة، وحساباتها التي توظف بعضنا لخدمتها، فهي المستفيد الأول وعلى حسابنا نحن اليمنيين وهي المستفيد الأول وعلى حسابنا نحن العرب، أن إيران خطر وجودي داهم، حاضر ومستقبلي، ومن لم يراها على هذا النحو فذلك شأنه.
أصحاب المعالي
الإخوة والأخوات
نحن هنا وباسم الجمهورية اليمنية، باسم شعبنا في اليمن بمجلسيه النواب والشورى وسلطته الشرعية، نجدد التأكيد أننا مع حق الشعب الفلسطيني في النضال لتحقيق أهدافه المشروعة، حقه في العودة، وحقة في الحرية، وحقه في دولة فلسطينية مستقلة على ترابه الوطني وعاصمتها القدس الشريف، لذا ومنذ اليوم الأول لأحداث غزة كان موقفنا ولازال مع شعبنا الفلسطيني وهو يواجه آلة الصلف الإجرامي الإسرائيلي. لابد من وقف عاجل للعدوان الصهيوني على قطاع غزة، والسماح بإدخال المساعدات الإنسانية الإغاثية، وحث المجتمع الدولي على إنجاز التحقيق الجنائي في جرم جرائم الحرب التي ارتكبتها حكومة العدو الصهيوني.
يقترب شهداء غزة اليوم من 35 ألف شهيد ومئة وثمانين ألف جريح، معظمهم من المدنيين، ومعظم المدنيين من الأطفال والنساء، مدن بحالها دمرت فوق رؤوس أهلها، وبنية تحتية لم يعد فيها حجر فوق حجر. وتدفع إسرائيل الفلسطينيين للتهجير، وكأنها تخيرهم بين البقاء على أرضهم أو الموت. ينبغي التصدي لسياسة التهجير التي تقف هدفًا ظالمًا وعنصريًا واستعماريًا خلف هذه الحرب الإسرائيلية الأمر الذي يشكل خطرًا آخر على دول الجوار، كما تستمر في الضفة الغربية أعمال الملاحقة والتنكيل بالشباب المقاوم. لكنه شعب الجبارين، وسوف ينتصر، تلك حتمية تاريخية، فدوام الحال من المحال.
كما نعلم جميعًا، تغيب العدالة في عالمنا المعاصر، يقر عذا العالم بحق إسرائيل فيما يسمونه الدفاع عن النفس ، لكنه لا يقر بالحق ذاته للفلسطينيين، معايير مختلة للعدالة، وقيم مقلوبة على رأسها.
هذا حال لايغيره سوى عودة جادة لمناقشة وضع الأمة التي تبدو اليوم في أدنى مستويات التضامن، حالة ضعف يمكن قياس مداها وأثرها فيما تعانيه الأمة، الأمر الذي يستدعي تطوير نظامها العربي، ويعزز قيمها المشتركة، ويمنحها معنى حقيقي، معنى يغير ويمهد للنهوض من جديد.
الأخ الرئيس
الإخوة والأخوات جميعًا
أعود في نهاية كلمتي إلى اليمن، فأملنا في وقف إطلاق نار دائم في بلدنا لم يخبو بعد، فرغم انتهاكات الهدنة المستمرة للحوثيين، والجرائم التي يرتكبونها ضد أهلنا، قتلًا واعتقالًا ومصادرة للممتلكات، وتدميرًا لبيوت المختلفين معهم، وأحيانًا على رؤوس الأشهاد، كما حدث قبل أيام في محافظة البيضاء، عندما فجر الحوثيين بيتًا لم يعد فيه غير النساء والأطفال، فدمروا البيت وأهالوا جدرانه على من فيه، في محاولة لتغير هوية الشعب، وثقافته، وقيمه، للاسف الشديد يرتكب الحوثيين كل يوم جرائم يندى لها ضمير الإنسانية من هذا القبيل وأسوأ.
لقد أيدنا كل جهد يقوم به الأشقاء للخروج من الأزمة، وكل جهد ترعاه الأمم المتحدة، وعلى نحو خاص أيدنا مساعي الأشقاء في المملكة العربية السعودية للوصول إلى خارطة طريق تعالج موضوعات هامة، كالطرق المقفلة، والإفراج عن الأسرى والمعتقلين والمخطوفين، وصرف المرتبات، بعد السيطرة على الموارد التي لايزال الحوثيون يوجهون بعضها نحو مجهودهم الحربي. وصولًا نحو طاولة حوار لا تستثنى أحدًا. وللأسف كلما اقتربنا من الاتفاق على هذه الخارطة وبدت بيارق السلام تلوح في الأفق، رفع الحوثيون سقف مطالبهم. وعطلوا الجهود السلمية ومسعى الاتفاق.
نحن في الشرعية نتمسك بما كان ولايزال عند الأغلبية من أبناء اليمن محلًا للتوافق الوطني وتحقيق سلام دائم وشامل وعادل، وذلك كأساس لأي حل سياسي، وأعني بذلك المرجعيات الثلاث المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، ومخرجات الحوار الوطني، وقرار مجلس الأمن رقم 2216 -2015 والقرارات الأخرى ذات الصلة. اننا نؤمن إيمانًا عميقًا بأن ذلك هو السبيل الوحيد للحفاظ على بلدنًا موحدًا وآمنًا ومستقرًا.
كما أننا نكن كل التقدير لأشقائنا العرب كل العرب من المحيط إلى الخليج الذين وقفوا إلى جانب شعبنا ضد الانقلاب الحوثي على الشرعية، وأدانوا جرائم الحوثيين ضد شعبنا، وبالتأكيد فإننا نقدر عاليًا تضحيات أشقائنا جميعًا في التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية، ومشاركة فاعلة من دولة الإمارات العربية المتحدة، لقد منع التحالف العربي اليمن من الانزلاق نحو الهاوية.
إنني أكرر الشكر والتقدير لكم أخي عادل بن عبدالرحمن، ومساعديكم وكوادر البرلمان العربي على كل جهد تبذلونه، وعلى جهودكم الطيبة لإنجاح مؤتمرنا السادس هذا، وشكرًا لحسن إصغائكم. والسلام عليكم بداية ونهاية ورحمة الله وبركاته.
أخوكم: د. أحمد عبيد بن دغر
رئيس مجلس الشورىً
السبت 27 أبريل 2024م