بعد إعلان كوريا الشمالية عن نجاحها في اختبار قنبلة هيدروجينية في كانون الثاني/يناير العام الماضي ( القنبلة تكفي لتدمير مدينة بأكملها ) و إطلاق صاروخ بالستى عابر القارات في تموز/يوليو الماضي واصفة نجاحها أنه «تحذير شديد» للولايات المتحدة الأمريكية وقال الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ- أون إن التجربة تثبت أن عموم الولايات المتحدة بات في مدى ضرب صواريخ بلاده، حسب وكالة الأنباء الرسمية الكورية آنذاك. وقالت كوريا الشمالية إن الصاروخ البالستي عابر للقارات حلق لمدة 47 دقيقة ووصل إلى ارتفاع 3724 كيلومترا.
فصناعة القنبلة النووية يثير قلق الأمريكان من كوريا الشمالية خوفاً من ضربات إستباقية فكلما أحست أمريكا بتقدم كوري علمي جديد قد يضعف سمعتها كأقوى دولة في العالم، وبالتالي يضعف قبضتها في التحكم في الموارد الطبيعية عبر سياستها الإمبريالية كلما زاد قلقها. والجذور التاريخية للعداء الكوري الأمريكي يرجع إلى الحرب العالمية الثانية حين انقسمت شبه الجزيرة الكورية إلى جنوبية خاضعة لحكم أمريكا، وشمالية خاضعة لحكم روسيا «الاتحاد السوفييتي سابقا»، وخروج القوتين زاد في العداوة بين الحكومتين وأدى إلى حرب لم تنته حتى تم إعلان الدولتين المستقلتين في الأمم المتحدة سنة 1991 تحت وثيقة هدنة انسحبت منها كوريا الشمالية سنة 2000 معلنة بذلك رغبتها في السيطرة.
وبعد رحيل أمريكا وروسيا من شبه الجزيرة الكورية تأثر نظام الحكم بهما حيث كوريا الجنوبية دولة رأسمالية «ديمقراطية»، وكوريا الشمالية دولة «اشتراكية» «ديمقراطية». ورغم أن روسيا تروج عن الرأسمالية الأمريكية الحديثة أنها نظام استخباراتي إمبريالي طاغ، وأمريكا تروج عن الاشتراكية الروسية على أنها نظام شمولي ديكتاتوري، لم يمنع هذا البلدين من اعتماد نظام التنمية والتطوير الذاتي، فأصبحت كوريا الجنوبية أكثر البلدان تقدما في التكنولوجيا عالميا، وأصبحت كوريا الشمالية أكثر البلدان تقدما في صناعة الأسلحة عالميا، ولديها فرع في قوتها العسكرية إلى جانب القوات البرية والبحرية والجوية وقوات العمليات الخاصة، اسمه ( قوة الصاروخ) ويعتبر جيشها رابع أكبر جيش في العالم، حيث جندي واحد يقابل كل 25 مواطنا.
وفي محاولات كوريا الشمالية لتوحيد شبه الجزيرة الكورية، تختفي أجندة حربية تعد لها العُدة قصد مواجهة أي تدخلات أجنبية تقف في وجه هذه الوحدة، مع دعم صيني مستمر، ودعم روسي، وحلفاؤها من جنوب شرق آسيا، فييتنام، وكمبوديا. هكذا تزامنت رغبة كوريا الشمالية في السيطرة مع رغبتها في الحيازة على قنبلة نووية منذ عام 2004م.
وبلغت القوة النووية في كوريا ذروتها في الآونة الأخيرة حيث بها 22 رأسا والرأس الحربي هو سلاح حراري نووي دقيق منصهر، صمم ليلقى عبر صواريخ الكروز والغواصات الحربية، وهو السلاح الشائع الاستعمال في القوات الحربية الأمريكية وصممت كوريا الشمالية أيضا صواريخ كروز قادرة على التحليق بمسافة 1000 قدم دون أن يتم كشفها، ومؤخرا نشرت 10 غواصات صغيرة في جميع أنحاء العالم، لديها قدرة فريدة على اتباع أي سفينة في خفاء تام حتى ميناء مرساها.
وعلى قائمة البلدان التي تتوعدها «كوريا الشمالية» بمباغتات صامتة طويلة، إلى جانب أمريكا: اليابان وسنغافورة. وقد تصاعدت حدة التصريحات الأمريكية والكورية رغم أن الكثير من الآراء تتجه إلى أن هذه التهديدات المتبادلة مفتعلة وزائفة، وأن الحرب إن شنت لن تكون ضحيتها كوريا ولا أمريكا، بما أنهما تبادلا اليورانيوم وأعانا بعضهما على تخصيبه، إنما ستكون ضحيتها بلدان العالم الثالث التي سيتم تقسيمها بينهما ككعكة عيد، خاصة الشرق الأوسط.. فكُتلتا أمريكا وأنكلترا والاتحاد الأوروبي وإسرائيل، مقابل روسيا وإيران والصين، هما متعادلتان من ناحية التقدم النووي وصناعة الأسلحة، وفي الجانب الآخر باقي بلدان العالم بأكمله.
والولايات المتحدة الأمريكية تروج عبر الإعلام ردودها تجاه كوريا الشمالية، حيث أعلن وزير «الدفاع الأمريكي» عن استعدادات لمواجهة الضربة الاستباقية الكورية، وعن تطوير لأسلحة أمريكا وتجهيزات يطمئنون بها الشعب الأمريكي المضطرب الذي فقد ثقته حتى في تصريحات مسؤوليه. وإن كانت خطة افتعال حرب نووية بين أمريكا وكوريا الشمالية سيذهب ضحيتها بلدان العالم الثالث.
ولا يزال يحوم حول أي رئيس أمريكي شبح «هيروشيما ونغازاكي»، فلن يخاطر أي رئيس للولايات المتحدة، حتى لو كان ترامب بتكرار تلك التجربة المريرة، ذلك ما ذكرته مجلة «فورين آفيرز» الأمريكية لتحليلها المواقف العسكرية الأمريكية تجاه كوريا الشمالية. تبقى قدرة كوريا الشمالية النووية تثير مخاوف كوريا الجنوبية ومنطقة جنوب شرق آسيا والولايات المتحدة الأمريكية واندلاع حرب عالمية ثالثة نووية ستكون نهـاية الـعالم.