انتشل رجال الإنقاذ المرهقون في تركيا وسوريا المزيد من المحاصرين تحت الأنقاض يوم السبت، بعد خمسة أيام من وقوع الزلزال الأكثر تدميرا في المنطقة والذي أودى بحياة ما يقرب من 26 ألفا وسط توقعات بزيادة عدد الضحايا.
وفي كهرمان مرعش، بالقرب من مركز الزلزال في جنوب تركيا، تراجعت على ما يبدو عمليات الإنقاذ والبحث بين حطام المنازل والمباني في حين زاد عدد الشاحنات في الشوارع لنقل الحطام.
ويتواصل الارتفاع في عدد القتلى في جنوب تركيا وشمال غرب سوريا بعد يوم من إعلان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن السلطات كان ينبغي أن تستجيب على نحو أسرع للكارثة التي وقعت يوم الاثنين.
وتعهد أردوغان ببدء العمل في إعادة بناء المدن "في غضون أسابيع"، قائلا إن مئات الآلاف من المباني صارت الآن غير صالحة للسكن، بينما أصدر تحذيرات صارمة بالتعامل مع المتورطين في عمليات النهب بالمناطق المتضررة من الزلزال.
وفي مدينة أنطاكية التركية، قال عدد من السكان وعمال الإنقاذ إنهم شاهدوا أعمال نهب.
وفي الجيب الذي تسيطر عليه المعارضة في شمال غرب سوريا، لم يدخل سوى القليل جدا من المساعدات على الرغم من تعهد دمشق بتحسين القدرة على إدخالها. وهذه المنطقة هي الأشد تضررا من الزلزال في سوريا وتواجه جهود الإغاثة فيها تعقيدات بسبب الحرب الأهلية المستمرة منذ ما يزيد على عشر سنوات.
وانتشرت أكياس الجثث في شوارع مدينة أنطاكية حيث وضع السكان الكمامات لمحاولة تخفيف رائحتها. وقال أحدهم، دون ذكر اسمه، إن عامة الناس انضموا إلى جهود الإنقاذ.
وأضاف "هناك فوضى وأنقاض وجثث في كل مكان". وأفاد بأن مجموعته عملت طوال الليل في محاولة للوصول إلى مدرسة جامعية كانت تناديهم من تحت الأنقاض. لكنه أضاف أنها توقفت عن الرد عليهم بحلول الصباح.
وأردف "لا تزال هناك مبان منهارة في الشوارع الجانبية ولم يصل إليها أحد".
وفي أحد مباني كهرمان مرعش، حفر عمال الإنقاذ بين ألواح خرسانية للوصول إلى فتاة تبلغ من العمر خمس سنوات، ورفعوها على محفة وهم يهتفون "الله أكبر".
وقالوا إنهم يعتقدون بأن اثنين آخرين من الناجين كانا تحت كومة الركام نفسها.
وعلى الرغم من ورود أنباء عن إنقاذ العديد من الأشخاص الآخرين من تحت الأنقاض يوم السبت، ومنهم أردا جان أوفان البالغة من العمر 13 عاما، فإن القليل من جهود الإنقاذ تكلل بالنجاح. وتوفيت يوم السبت بأحد المستشفيات امرأة أُنقذت يوم الجمعة في قري خان في تركيا.
وبدت المخاطر واضحة في مقطع مصور من هاتاي بتركيا يظهر فيه مبنى منهارا جزئيا ينزلق فجأة ويدفن أحد المنقذين تحت الحطام قبل أن يتمكن زملاؤه من إخراجه.
في غضون ذلك، أوقفت منظمتا إنقاذ ألمانيتان عملهما يوم السبت بسبب تقارير عن اشتباكات بين مجموعات من الناس شهدت إطلاق نار. كما علق فريق نمساوي العمل لفترة وجيزة قبل استئنافه.
وقال فؤاد أوقطاي نائب الرئيس التركي للصحفيين ليلة الجمعة إن نحو 80 ألفا يتلقون العلاج في المستشفيات بينما أصبح 1.05 مليون شخص بلا مأوى بسبب الزلازل وانتقلوا إلى ملاجئ مؤقتة.
* مقابر جديدة
في مقبرة جماعية على مشارف أنطاكية، أنزل العمال أكياس الجثث في خندق محفور حديثا قبل أن يردمه حفار. وأظهرت لقطات مصورة بطائرة مسيرة صفوفا من القبور الجديدة و80 كيسا بانتظار الدفن.
وغطت القبور الجديدة سفح تل خارج غازي عنتاب، وكان بعضها مزين بالورود أو بأعلام تركية.
جلست شابة بجانب قبر ممسكة بوجهها. وانهارت امرأة أخرى في البكاء بينما يحاول صبي مواساتها. وكانت وراءهم صفوف من القبور المحفورة حديثا استعدادا لدفن الموتى.
وعبر ناجون عن خوفهم من المرض مع دمار البنية التحتية الأساسية.
وقالت جيزم، وهي عاملة إنقاذ من شانلي أورفا بجنوب شرق تركيا، "إذا لم يمت الناس هنا تحت الأنقاض، فسوف يموتون من الإصابات أو العدوى. لا يوجد مراحيض هنا. إنها مشكلة كبيرة".
وأشاد منسق الشؤون الإنسانية بالأمم المتحدة مارتن جريفيث، الذي وصف الزلزال بأنه "أسوأ حدث منذ 100 عام في هذه المنطقة"، بتعامل تركيا مع الزلزال.
وقال في مقابلة مع سكاي نيوز "أنا متأكد من أن (عدد القتلى) سيزيد إلى المثلين أو أكثر".
* أردوغان
استغل المعارضون الأزمة لمهاجمة أردوغان الذي سيترشح لفترة رئاسة جديدة في انتخابات مقررة في 14 مايو أيار لكنها قد تتأجل بسبب الكارثة.
ومن المرجح أن يلعب الغضب المتزايد بشأن التأخير في توصيل المساعدات وبدء جهود الإنقاذ دورا في الانتخابات.
وحتى قبل الزلزال كان يُنظر إلى الانتخابات على أنها التحدي الأكبر لأردوغان بعد عقدين على توليه السلطة. ودعا الرئيس التركي إلى الوحدة وندد بما أسماه "الحملات السلبية من أجل المصلحة السياسية".
وانتقد كمال قليجدار أوغلو رئيس حزب المعارضة الرئيسي في تركيا استجابة الحكومة للكارثة.
وقال في بيان "الزلزال كان هائلا لكن ما كان أكبر بكثير من الزلزال هو الافتقار إلى التنسيق والافتقار إلى التخطيط وعدم الكفاءة".
وقال مسؤولو الادعاء في كهرمان مرعش إنهم سيحققون في انهيار المباني وأي مخالفات في بنائها. واعتقلت الشرطة مقاولا، شيد مبنى سكنيا فخما من 12 طابقا انهار في هاتاي، بينما كان ينتظر ركوب طائرة في إسطنبول.
ويُصنف الزلزال، الذي بلغت قوته 7.8 درجة على مقياس ريختر وأعقبته عدة هزات ارتدادية قوية في تركيا وسوريا، على أنه سابع أكثر الكوارث الطبيعية دموية هذا القرن متجاوزا زلزال اليابان عام 2011 وأمواج المد العاتية (تسونامي) التي أعقبته. وتقترب حصيلة وفيات زلزال يوم الاثنين من 31 ألفا قُتلوا في زلزال هز إيران المجاورة عام 2003.
ومع بلوغ عدد القتلى جراءه 22327 داخل تركيا حتى الآن، يكون هذا الزلزال هو أكثر الزلازل ضحايا بالبلاد منذ عام 1939.
ولقي أكثر من 3500 حتفهم في سوريا، حيث لم يجر تحديث عدد القتلى منذ الجمعة.
* سوريا
في سوريا، وقف الناس قرب أكوام من الركام انتظارا لمعرفة مصير ذويهم.
وكثيرون من سكان شمال غرب سوريا الذي تسيطر عليه المعارضة نازحون بالفعل من مناطق أخرى من البلاد استعادتها القوات الموالية للحكومة خلال الحرب الأهلية المستمرة. وقد أصبحوا الآن بلا مأوى مرة أخرى.
وقال رمضان سليمان (28 عاما)، الذي فرت عائلته من شرق سوريا إلى بلدة جندريس التي تضررت بشدة من الزلزال، "في اليوم الأول نمنا في الشارع، في اليوم الثاني نمنا في سياراتنا، ثم نمنا في منازل أناس آخرين".
وفي حلب، وصف مدير عام منظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم جيبريسوس الكارثة بأنها مفجعة. وقال للصحفيين "جئنا لتونا ببعض الإمدادات ونتطلع إلى مواصلة الدعم".
ووصلت عشرات الطائرات المحملة بالمساعدات إلى المناطق التي تسيطر عليها الحكومة السورية منذ يوم الاثنين، في حين لم يصل سوى القليل إلى منطقة شمال غرب البلاد الأكثر تضررا.
وفي الأوقات العادية، تقدم الأمم المتحدة المساعدات إلى هذه المنطقة عبر الحدود مع تركيا عبر نقطة تفتيش واحدة، وهي سياسة تنتقدها دمشق باعتبارها تنتهك سيادتها.
وقال مبعوث إيطاليا إلى دمشق إن شحنة من المساعدات الإنسانية الإيطالية الموجهة إلى مناطق تسيطر عليها الحكومة في سوريا وصلت إلى بيروت مساء يوم السبت، في أول مساعدة أوروبية من الزلزال لحكومة دمشق.
وقال القائم بالأعمال ماسيميليانو دانتونو لرويترز إن الشحنة التي تزن 30 طنا تشمل أربع سيارات إسعاف و13 حاوية من المعدات الطبية. وأضاف أن فريقا من أربعة أطباء في طريقه أيضا لمناطق سيطرة الحكومة السورية.